بقلم: إيناس الوندي
في الخامس من نيسان من كل عام، تعود الذاكرة الكوردية إلى واحدة من اللحظات الفارقة في تاريخ نضالها الطويل: القرار الأممي رقم 688 الصادر عام 1991، والذي فرض حظرًا جويًا على نظام صدام حسين، في محاولة متأخرة لحماية شعبٍ أنهكته المجازر، والإبادة، والتهجير.
لكن في قلب هذه الذكرى، ثمة قصة لا تزال مُعلّقة على هوامش الاعتراف الدولي، قصة الكورد الفيلية—الذين كانوا أول من دفع ثمن "بعثنة الدولة" وتطهيرها القومي، ولا يزالون اليوم يحاولون إقناع العالم بأنهم جزء من تلك المعاناة، بل من بدايتها.
القرار 688، الذي جاء بعد انتفاضة آذار واندلاع موجات نزوح جماعية للكورد نحو الجبال والحدود، كان نتيجة ضغط دولي قادته فرنسا، تلاه إعلان فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة إنشاء منطقة آمنة داخل كوردستان، امتدت على مساحة 2400 كم². وهو ما شكّل أول تدخل دولي مباشر لحماية شعب مضطهد داخل حدود دولته.
يقول السياسي الكوردي المخضرم الدكتور محمود عثمان:
"كان القرار 688 بمثابة شريان حياة لشعبنا بعد أن أوشك على الانهيار تحت وطأة القصف والتجويع والتهجير."
لكن رغم أهمية هذا القرار، لم يشمل فعليًا كل من طالتهم آلة البعث. الكورد الفيلية، الذين تعرضوا للترحيل القسري والسجن الجماعي وإسقاط الجنسية منذ سبعينيات القرن الماضي، لم تشملهم المناطق الآمنة، ولا نالوا حق العودة، ولا سمع العالم صوتهم بالوضوح ذاته.
الناشطة الكوردية الفيلية شيرين خليل تعبّر عن هذا الشعور بمرارة:
"نحن الكورد الفيلية، كنّا غرباء في وطننا قبل أن نصبح لاجئين خارجه. قرار 688 لم يحمِ الجميع، لكنه أرسل إشارة بأن اضطهادنا لن يظل طي النسيان. ما زلنا ننتظر العدالة، لا مجرد حماية مؤقتة."
هذا الإهمال لم يكن فقط من قبل النظام العراقي، بل أيضًا من قبل المجتمع الدولي الذي قسم المعاناة وفق خرائط ومناطق حظر، تاركًا شرائح كبيرة في العراء السياسي والإنساني.
اليوم، بعد مرور 34 عامًا، تحوّلت "المنطقة الآمنة" إلى كيان سياسي شبه مستقل، لكنه لا يزال محاطًا بأسئلة تتعلق بالعدالة، والمصالحة، والذاكرة. أما الكورد الفيلية، فلا تزال ملفاتهم عالقة في رفوف لجان التعويض والمظلومية، كأنهم مجرد هامش في سردية أكبر.
القرار 688 كان لحظة استثنائية في التاريخ الكوردي، لكنه لم يكن كافيًا. فالحماية لا تعني العدالة، والحظر الجوي لا يُلغي التهجير القسري، ولا يعيد الجنسية، ولا يمسح من ذاكرة الفيلية أسماء آلاف المفقودين والمغيبين.
في الذكرى الـ34، لعلنا لا نحتفي فقط بما تحقق، بل نعيد النظر فيما لم يتحقق بعد.