×

أخر الأخبار

مدارس الكورد الفيلية في بغداد.. إرث تعليمي وهوية ثقافية

  • 7-02-2025, 17:28
  • 138 مشاهدة

ايناس الوندي.تنوع نيوز

تُعد مدارس الكورد الفيلية في بغداد جزءًا أصيلًا من تاريخ المدينة، إذ لم تكن مجرد مؤسسات تعليمية، بل مراكز ثقافية ساهمت في الحفاظ على الهوية الكوردية الفيلية وتعزيز التعايش الاجتماعي في العاصمة العراقية. ومع مرور الزمن، واجهت هذه المدارس تحديات سياسية واجتماعية أثرت على وجودها، لكنها بقيت شاهدًا على إرث مجتمعٍ عريقٍ أسهم في بناء العراق.

مدرسة الكورد الفيلية الابتدائية.. صرح تاريخي

تأسست مدرسة الكورد الفيلية الابتدائية في عام 1947 بمنطقة العوينة في شارع الكفاح ببغداد، بمبادرة من المرحوم الحاج علي حيدر، وبتمويل ذاتي من المجتمع المحلي. كانت هذه المدرسة خطوة رائدة نحو تمكين المجتمع الكوردي الفيلي من الوصول إلى التعليم، والحفاظ على هويته الثقافية في مدينة كانت تشهد تنوعًا سكانيًا واسعًا.

على مدى عقود، خرّجت المدرسة أجيالًا من الطلبة الذين أصبحوا لاحقًا شخصيات بارزة في مجالات التعليم، والاقتصاد، والسياسة، إذ شكلت المدرسة محطة مهمة في مسيرة التنوير والتعليم داخل هذا المكوّن العراقي الأصيل.

التحديات السياسية وتغيير الهوية

استمرت المدرسة في تقديم رسالتها التعليمية والثقافية حتى انقلاب 8 شباط 1963، عندما قام النظام الحاكم آنذاك بتغيير اسمها ضمن سياسات التضييق على الكورد الفيلية، الذين تعرضوا لاحقًا لحملات تهجير واسعة في السبعينيات والثمانينيات.

ورغم هذه التحديات، بقيت المدرسة قائمة، وظلت تمثل نقطة تجمع لأبناء الكورد الفيلية في بغداد، حيث قاوم المجتمع المحلي محاولات طمس الهوية الثقافية، وحافظوا على تقاليدهم ولغتهم داخل جدران المدرسة وخارجها.

عودة الاسم بعد 2003 واستمرار الرسالة

مع سقوط النظام في عام 2003، استعادَت المدرسة اسمها الأصلي، في خطوة أعادت الاعتبار للهوية الكوردية الفيلية في بغداد. ومنذ ذلك الوقت، عادت المدرسة لاستقبال الطلبة، حيث تواصل تقديم التعليم لمئات التلاميذ من أبناء المنطقة، مع الحفاظ على دورها في تعزيز التراث الثقافي والتاريخي للكورد الفيلية.

إلى جانب دورها الأكاديمي، كانت المدرسة على مدى السنوات مركزًا للنشاطات الثقافية والاجتماعية، حيث أقيمت فيها فعاليات تُبرز التقاليد الكوردية الفيلية، مما عزّز ارتباط الأجيال الجديدة بهويتهم.

مدارس أخرى للكورد الفيلية في بغداد

لم تكن مدرسة الكورد الفيلية الابتدائية الوحيدة، إذ تأسست مدارس أخرى تحمل ذات الطابع، حيث سعى المجتمع الفيلي إلى إنشاء مؤسسات تعليمية تحفظ لغتهم وتراثهم، خاصةً في مناطق مثل الصدرية، وحي جميلة، ومدينة الصدر، حيث كانت تجمعاتهم السكانية بارزة.

ورغم أن بعض هذه المدارس لم تستطع الصمود بسبب التغيرات السياسية والاجتماعية، فإن أبناء الكورد الفيلية استمروا في المطالبة بإعادة افتتاح المزيد من المؤسسات التعليمية التي تحافظ على إرثهم الثقافي واللغوي.

مدرسة الكورد الفيلية.. رمز للتعايش في بغداد

تقع المدرسة في شارع الكفاح، الذي يُعتبر موطنًا تاريخيًا للكورد الفيلية في بغداد، ويضم العديد من المعالم الدينية والثقافية مثل مرقد الشيخ عبد القادر الكيلاني. وهذا يعكس التعايش الاجتماعي في المنطقة، حيث عاش الكورد الفيلية إلى جانب المكونات الأخرى لعقود طويلة.

اليوم، تمثل مدرسة الكورد الفيلية الابتدائية رمزًا لصمود هذا المجتمع، إذ تستمر في تقديم رسالتها التعليمية رغم التحديات، ما يجعلها واحدة من أبرز المؤسسات التي حافظت على هوية الكورد الفيلية في العراق.

ختاما

لا تقتصر أهمية مدارس الكورد الفيلية في بغداد على كونها أماكن للتعليم، بل إنها تعكس مسيرة مجتمع قاوم التهميش والتغيير القسري، وسعى للحفاظ على لغته وثقافته وهويته. ورغم التحديات، تبقى هذه المدارس جزءًا لا يتجزأ من تاريخ بغداد، وشاهدًا على التنوّع الثقافي الذي لطالما ميّز العراق.