×

أخر الأخبار

انتفاضة آذار 1991.. ملحمة نضالية في كوردستان امتدادٌ لمأساة الكورد الفيليين في بغداد وخانقين ومندلي

  • 5-03-2025, 22:45
  • 99 مشاهدة

أعداد .ايناس الوندي


شهدت كوردستان العراق في آذار 1991 واحدة من أهم المحطات النضالية في تاريخها الحديث، حيث انتفض الشعب الكوردي ضد النظام البعثي القمعي، مقدمًا تضحيات جسامًا في سبيل الحرية والاستقلال. جاءت هذه الانتفاضة في أعقاب عقود من القمع والاستبداد الذي مارسه النظام السابق، والذي لم يقتصر على الكورد فحسب، بل شمل أيضًا مكونات عراقية أخرى، مثل الكورد الفيليين الذين تعرضوا للقتل والتهجير القسري والاستيلاء على ممتلكاتهم وأموالهم، فضلًا عن نفيهم وسجنهم دون محاكمة عادلة.

خلفيات الانتفاضة

مع نهاية حرب الخليج الثانية في عام 1991، ومع تراجع قوات النظام البعثي، استغل الشعب الكوردي حالة الضعف التي أصابت النظام ليطلق انتفاضة شاملة ضد ممارساته القمعية. سبق هذا التحرك تنسيق سياسي وعسكري بين الأحزاب الكوردية، حيث لعب تحالف جبهة كوردستان دورًا محوريًا في تعزيز الروح النضالية وتنظيم العمل الميداني للثوار.


بداية الانتفاضة ومسارها


بدأت الشرارة الأولى للانتفاضة في مدينة رانية يوم 5 آذار 1991، حيث تمكن المواطنون بمساندة قوات البيشمركة من تحرير المدينة بالكامل من سيطرة النظام البعثي. لم تتوقف الثورة عند رانية، بل سرعان ما انتقلت إلى السليمانية، وأربيل، ودهوك، وكركوك، وغيرها من المدن الكوردية، حتى تمكنت من تحرير كافة مناطق جنوب كوردستان خلال فترة وجيزة.

في 21 آذار 1991، توجت الانتفاضة بتحرير مدينة كركوك، والتي شهدت لحظة تاريخية بإشعال أول شعلة لنوروز في أجواء من الحرية، معلنة نهاية سيطرة النظام الديكتاتوري على أراضي كوردستان العراق.


دور القيادات الكوردية في الانتفاضة

ولجماهيرالكوردية دورًا محوريًا في الانتفاضة، حيث استشرف ملامح التغيير منذ أواخر الثمانينيات. وخاض إلى جانب قوات البيشمركة معارك شرسة، كان من أبرزها معركة كوريش، التي أجبرت النظام على الدخول في مفاوضات مع جبهة كوردستان.، برزت شخصيات سياسية وعسكرية أخرى ساهمت في قيادة الانتفاضة نحو تحقيق أهدافها.


القمع الوحشي ورد الفعل الدولي

رد النظام البعثي على الانتفاضة بقوة مفرطة، مستخدمًا كافة الأساليب الوحشية التي سبق أن انتهجها في حملات الأنفال، والقصف الكيميائي، والتهجير القسري، والتعريب. قُتل المئات من المدنيين، وسُجن الآلاف، بينما فُرضت عمليات حصار خانقة على المدن المنتفضة. ومع ذلك، فإن تزامن الانتفاضة مع التدخل الدولي في العراق، أدى إلى فرض حظر جوي دولي على شمال العراق، مما مهد الطريق لتشكيل إدارة ذاتية كوردية في الإقليم.

النتائج والتداعيات

لم تكن انتفاضة آذار مجرد حدث سياسي عابر، بل كانت نقطة تحول كبرى في تاريخ كوردستان العراق، حيث أفضت إلى إنشاء إقليم كوردستان بمؤسساته الدستورية والشرعية، ليصبح كيانًا سياسيًا يتمتع بدرجة عالية من الحكم الذاتي، معترفًا به على الصعيدين المحلي والدولي.

ساهمت الانتفاضة في ترسيخ حقوق الشعب الكوردي في الحرية، والديمقراطية، والاستقلال السياسي، كما أرست مبدأ النضال السلمي ضد الظلم، وهو ما انعكس لاحقًا في تطور التجربة السياسية الكوردية داخل العراق.

.النزوح الجماعي .

في نيسان 1991، شهد شمال العراق واحدة من أكبر موجات النزوح الجماعي في تاريخه، وذلك بعد أن استعادت القوات العراقية السيطرة على المحافظات الشمالية، التي كانت قد شهدت انتفاضة واسعة النطاق ضد نظام الحكم في بغداد. جاءت هذه الانتفاضة كرد فعل على عقود من القمع والاضطهاد، لكنها تزامنت مع الغارات الجوية التي شنها التحالف الدولي على العراق خلال حرب الخليج الثانية، مما زاد من تعقيد المشهد الأمني والسياسي.

مع تقدم القوات العراقية، واجه مئات الآلاف من الكورد أوضاعًا مأساوية دفعتهم إلى الفرار نحو الجبال والحدود الإيرانية والتركية، في ظروف إنسانية صعبة. لم يكن هذا النزوح مجرد حركة سكانية، بل كان انعكاسًا لحالة الرعب التي عاشها الكورد نتيجة قمع الانتفاضة، والتي جاءت امتدادًا للسياسات القمعية التي استهدفتهم لعقود، تمامًا كما حدث مع الكورد الفيليين في بغداد وخانقين ومندلي، الذين تعرضوا للقتل والتهجير والاستيلاء على ممتلكاتهم في حملات منظمة سبقت هذه الأحداث.

ورغم المعاناة، شكلت هذه الانتفاضة نقطة تحول في تاريخ كوردستان، حيث أسست فيما بعد لواقع سياسي جديد تمثل في إقامة كيان يتمتع بحكم ذاتي، ما جعلها إحدى المحطات المفصلية في مسيرة النضال الكوردي ضد الأنظمة الديكتاتورية.

ختاما.

مثلّت انتفاضة آذار 1991 صفحة مشرقة في نضال الشعب الكوردي ضد الظلم والطغيان، وجسدت إرادة الكورد في تقرير مصيرهم. ورغم التضحيات الجسيمة التي قُدمت خلال تلك المرحلة، إلا أن ما تحقق من مكتسبات سياسية ودستورية، أكد أن المقاومة الشعبية يمكن أن تصنع مستقبلًا مختلفًا. واليوم، تبقى هذه الانتفاضة رمزًا للنضال من أجل الحرية، وتذكيرًا بضرورة الحفاظ على التجربة الديمقراطية، وحماية الحقوق الدستورية، وتعزيز الوحدة الوطنية في كوردستان والعراق ككل.