×

أخر الأخبار

حسينية الفيليين… ذاكرة دينية صامدة في وجه الإقصاء والتهميش

  • اليوم, 12:15
  • 64 مشاهدة


تحقيق:  ايناس الوندي 

تُعد حسينية الفيليين واحدة من أقدم الحسينيات البغدادية، وشاهدًا حيًا على تاريخ طويل من الإقصاء الذي تعرّضت له دور العبادة في العراق، ولا سيما تلك المرتبطة بالقوميات والمذاهب التي لم تنسجم مع سياسات الأنظمة المتعاقبة، وفي مقدمتها النظام البعثي السابق.

ففي ظل سياسات حكمت العراق بعقلية شوفينية، لم تُراعِ التنوّع القومي والمذهبي، امتدّ الاستهداف ليشمل دور العبادة نفسها، إذ اعتُبرت بعض الحسينيات والمساجد “خطرًا” على الدولة، وتحوّلت من أماكن للعبادة إلى أهداف للتهميش والإهمال، بحجج الانتماء الطائفي أو العرقي، بل أُجبرت العديد منها على تغيير طابعها وتحويلها إلى دور سكنية، في تناقض صارخ مع الادعاءات الرسمية بحماية الدين.

ومن بين أكثر الشرائح التي دفعت ثمن هذه السياسات، شريحة الكورد الفيليين، التي لم تسلم من الإبعاد والتهجير والإبادة فحسب، بل تعرّضت لمحاولة ممنهجة لمحو هويتها وطمس كل ما يحمل اسمها، حتى دور عبادتها.

تأسيس مبكر ودور جامع

تأسست حسينية الفيليين عام 1931، لتكون أول حسينية شُيّدت خصيصًا للكورد الفيليين في بغداد، وتُعد الأقدم لهم على الإطلاق، كما أنها تُصنّف من أقدم الحسينيات في منطقة الصدرية، حيث سبقت تأسيس حسينية الأحمدي بعقدٍ كامل، إذ أُنشئت الأخيرة عام 1941.

شُيّدت الحسينية على يد الشيخ العلامة مصطفى اللك، أحد علماء الحوزة العلمية في النجف الأشرف، بعد تكليفه من وجهاء المنطقة، ولم تكن الحسينية حكرًا على شريحة أو مذهب بعينه، بل فتحت أبوابها لجميع أبناء المنطقة، وكانت تقام فيها الصلوات والشعائر الدينية بشكل منتظم.

من دار عبادة إلى مركز ثقافي

وفي عام 1942، وبسبب ضيق مساحة الحسينية، انتقل أغلب المصلين إلى حسينية الأحمدي، غير أن حسينية الفيليين لم تُغلق، بل تحوّلت إلى مركز علمي وديني وثقافي، احتضن الندوات الفكرية، وكان ملتقى لكبار وجهاء منطقة الصدرية، فضلًا عن كونها نقطة انطلاق للمواكب الحسينية، ومن أشهرها:

موكب مير علي (1943)

موكب الدوكشين (1953)


كما شهدت الحسينية محطات مفصلية في تاريخ الكورد الفيليين، إذ تأسست فيها أول جمعية للكورد الفيليين عام 1970، وكذلك أول جمعية للمدارس الفيلية، ما جعلها مركزًا للهوية الدينية والثقافية والاجتماعية في آنٍ واحد.

بداية التهجير… وبداية الانهيار

مع انطلاق حملات تهجير الكورد الفيليين مطلع عام 1971، بدأت مرحلة الإهمال المتعمد للحسينية، ورغم المناشدات المتكررة من القائمين عليها ورجال الدين ووجهاء المنطقة، تجاهلت الجهات الرسمية تلك النداءات.

ولم يتوقف الأمر عند الإهمال، إذ تعرّض القائمون على الحسينية إلى مداهمات متكررة من الأجهزة الأمنية، وجرى العبث بمحتوياتها، ما دفع إلى نقل الشعائر الدينية علنًا إلى حسينية الأحمدي، مع استمرار بعض النشاطات الدينية داخل حسينية الفيليين بشكل سري.

وفي مطلع عام 1981، بلغ الاستهداف ذروته، حيث تعرّض القائمون على الحسينية للاعتقال والتهجير، لتُغلق أبواب الحسينية نهائيًا، وتبدأ عملية طمس الهوية، بهدم أجزاء منها، ومحو الكتابات الدينية عن جدرانها، ووضع صورة العلم العراقي مكانها، قبل تحويلها إلى دار سكنية قديمة بدلًا من كونها دارًا للعبادة.

إعمار بعد السقوط… وإحياء للذاكرة

اليوم، وبعد سنوات طويلة من الإهمال، أُعيد إعمار حسينية الفيليين بجهود خيرين وأبناء المنطقة من الكورد الفيليين، في محاولة لإحياء هذا المعلم الديني والتاريخي، واستعادة دوره الرمزي، ليس فقط كمكان عبادة، بل كجزء من الذاكرة الجماعية لشريحة عانت من الإقصاء والإنكار.

ورغم أن الكثير من ملامح الحسينية الأصلية قد اندثرت، إلا أن ما تبقى من جدرانها، ومحرابها الذي كاد يختفي، والقصص التي تُروى عنها، ما زالت تشهد على مرحلة قاسية من تاريخ العراق، وتؤكد أن الذاكرة، مهما تعرضت للمحو، قادرة على النهوض من جديد.


تنويه توثيقي مهم

تجدر الإشارة إلى أن حسينية الأحمدي ليست هي نفسها حسينية الكورد الفيليين، ولا تمثل امتدادًا إنشائيًا لها، إذ إن لكل واحدة منهما تاريخ تأسيس وهوية مستقلة. فحسينية الكورد الفيليين أُسست عام 1931 وتُعد أول حسينية شُيّدت للكورد الفيليين في بغداد، بينما تأسست حسينية الأحمدي لاحقًا عام 1941.
غير أن ضيق مساحة حسينية الفيليين، ثم تصاعد الضغوط الأمنية والسياسية على القائمين عليها، دفع بالمصلّين والشعائر الدينية إلى الانتقال نحو حسينية الأحمدي ابتداءً من عام 1942، ما خلق ارتباطًا وظيفيًا بين المكانين، وأدى لاحقًا إلى شيوع الاعتقاد الخاطئ بأن الحسينية الأحمدية هي نفسها حسينية الكورد الفيليين، وهو أمر لا يستند إلى وقائع تاريخية موثقة

حسينية الكورد الفيليين: تأسست 1931 – هوية فيلية – أُغلقت وطمست هويتها

حسينية الأحمدي: تأسست 1941 – احتضنت الشعائر لاحقًا – استمر نشاطها العلني