×

أخر الأخبار

"نساء بلا وطن: قرار المجرم صدام رقم 474 الذي جرّد الأمهات الكورديات الفيلية من الجنسية"

  • 6-10-2025, 20:48
  • 160 مشاهدة

  بقلم: إيناس الوندي

في صفحات التاريخ العراقي المظلمة، تقف مأساة الكورد الفيلية شاهدًا على زمنٍ انقلب فيه القانون إلى أداةٍ للجريمة.
لم تكن قرارات مجلس قيادة الثورة آنذاك سوى نصوصٍ تحمل ختم الدولة، لكنها في الحقيقة كانت سيوفًا قانونية قُدّت لقطع جذور شريحة أصيلة من مكوّنات العراق.
من بين تلك النصوص، يبرز القرار رقم 474 لسنة 1981 بوصفه نموذجًا صارخًا لكيفية تحويل “القانون” إلى وسيلة تطهير عرقي ممنهج.

• قرار في ظاهرِه قانون... وفي جوهره تهجيرٌ جماعي
ينص القرار الصادر في 27 نيسان 1981 على:

 “تُسحب الجنسية العراقية من المرأة العراقية المتزوجة من رجل إيراني، أو من تبعية إيرانية، وتُرحّل إلى إيران مع أولادها.”

ورغم بساطة الصياغة، كان القرار في جوهره مقصلة قانونية موجهة إلى آلاف العوائل العراقية من الكورد الفيلية، بحجة أن أصول أزواجهم "غير عربية".
ففي لحظة واحدة، سُلبت المرأة جنسيتها، وصودرت ممتلكاتها، وأُجبرت على مغادرة وطنها دون أن تُمنح حتى حق الاعتراض.

▪️ الكورد الفيلية... هوية مستهدفة منذ البداية
ينتمي الكورد الفيلية إلى مجموعة كوردية عريقة تسكن منذ قرون مناطق خانقين، مندلي، بدرة، زرباطية، بغداد والعمارة.
ورغم عراقيتهم المتجذّرة، وكونهم جزءاً فاعلاً من النسيج الاقتصادي والاجتماعي للعراق، فإنهم واجهوا سياسة منهجية من التهميش والإقصاء منذ سبعينيات القرن الماضي.

بدأت المأساة الكبرى عام 1980 عندما أصدر النظام البعثي البائد سلسلة قرارات “تطهير” استهدفت الفيليين بحجة “التبعية الإيرانية”.
كانت النتيجة تهجير أكثر من 400 ألف إنسان، وفق تقديرات منظمات حقوقية، بينهم كبار السن والنساء والأطفال، بعضهم وُلد في العراق ولم يعرف أرضاً غيرها.

▪️ قرار 474... غطاء قانوني لجريمة إبادة
لم يكن القرار 474 حالة منفصلة، بل جزءًا من منظومة قانونية متكاملة شرعها النظام لتبرير الجريمة.
فهو مكمل للقرارات 666 و180 و518 التي منحت الأجهزة الأمنية(القمعية )آنذاك.
 صلاحية سحب الجنسية ومصادرة الأملاك “لمن يشتبه بولائه”.على حد وصفهم وقولهم .
في الواقع، تحوّل القرار إلى سلاح إداري شرّع التهجير القسري، وأتاح للنظام المجرم اعتقال آلاف الرجال الفيليين، ونقلهم إلى معسكرات مجهولة، بينما رُحّلت نساؤهم وأطفالهم إلى إيران.

▪️ شهادات من ذاكرة الألم
تروي إحدى الناجيات الفيلية، وهي في السبعين من عمرها اليوم:

“كانوا يطرقون الباب بعد منتصف الليل، يأمروننا بالمغادرة فوراً. لم نأخذ معنا سوى الأطفال. قالوا إن زوجي صار إيرانياً، وأنا لم أعد عراقية. عبرنا الحدود حفاةً تحت المطر، ولم أره منذ ذلك اليوم.”

وفي شهادة أخرى لأحد الناجين الذين سُجنوا في معتقل نقرة السلمان:

“كنا مئات الشباب الفيلية في زنزانة ضيقة. لا أحد يعرف لماذا جئنا ولا إلى أين سنذهب. كنا مجرد أرقام في دفاتر الأمن العام.”

▪️ بعد السقوط... ذاكرة لم تُنصف بعد
بعد عام 2003، أُعيد الاعتراف بالكورد الفيلية كمكوّن عراقي أصيل، وصدر قرار برلماني باعتبار ما تعرّضوا له جريمة إبادة جماعية.
ومع ذلك، ما تزال آثار تلك القرارات حاضرة في ملفات الجنسية والملكية والمفقودين.
كثير من الفيليين لم يُعثر على أثرٍ لذويهم حتى اليوم، وما زالوا يقاتلون لاسترداد وثائقهم أو حقوقهم المسلوبة.

▪️ أرقام وحقائق موثقة
عدد المهجرين قسراً: نحو 400 إلى 500 ألف شخص بين عامي 1980 و1988.

عدد المعتقلين والمفقودين: يُقدّر بـ 15 إلى 20 ألف شاب فيلي لم يُعرف مصيرهم حتى اليوم.

عدد المصادرات العقارية والتجارية: أكثر من 17 ألف عقار ومحال تجارية في بغداد وديالى، بحسب تقارير مؤسسة الشهداء العراقية.

الاعتراف الدولي: وثّقت اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومعها منظمات مثل هيومن رايتس ووتش ومفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان هذه الجرائم ضمن “الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في العراق خلال الثمانينيات”.


▪️ختاما : حين يصبح القانون وجه الجريمة
ما فعله صدام المجرم ومنظومته الأمنية القمعية لم يكن مجرد قرارٍ سياسي، بل اغتيالٌ للهوية تحت غطاء الشرعية القانونية.
لقد حوّل النظام القوانين إلى أدوات قمعٍ ممنهج، وجعل من مجلس قيادة الثورة مصنعًا لإنتاج المآسي بقرارات رسمية.

سيبقى القرار رقم 474 لسنة 1981 شاهداً على زمنٍ استُخدم فيه القانون لتجريد الإنسان من إنسانيته، والمرأة من جنسيتها، والعائلة من وطنها.
ومهما مرّ الزمن، ستظل مأساة الكورد الفيلية جرحًا مفتوحًا في ذاكرة العراق، يذكّر بأن العدالة الحقيقية لا تُكتب بالحبر، بل تُستعاد بالاعتراف والإنصاف.