بقلم: إيناس الوندي
في مثل هذا الوقت من كل عام، يستحضر أبناء العراق واحدة من أكثر صفحات تاريخه إيلامًا، حين يُحيي الكورد الفيلية ذكرى شهدائهم الذين سُلبت حياتهم وهويتهم وممتلكاتهم، ودُفنوا في ذاكرة وطنٍ لم يُنصفهم حتى الآن.
يوم الشهيد الفيلي ليس مناسبة للبكاء على الأطلال، بل محطة نضال لاستذكار جريمة إبادة جماعية ارتُكبت بدمٍ بارد ضد شريحة أصيلة من المجتمع العراقي، فقط لأنها كانت كورديّة وشيعيّة. جريمة تم فيها تهجير أكثر من 600 ألف إنسان، وسُحبت فيها الجنسية العراقية من عوائل كاملة، وصودرت الأموال والممتلكات، ومُزّقت الوثائق الرسمية، وتم طرد الناس إلى العراء على الحدود مع إيران.
ما بين سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، تعرّض الفيليون لحملة تطهير قومي طائفي ممنهج. لكن الكارثة الكبرى وقعت في نيسان 1980، حين شُنّت حملة اعتقالات شرسة طالت آلاف الشباب الفيليين، الذين اختفوا في أقبية السجون والمعتقلات، ولم يظهر لهم أثر حتى اليوم.
تُقدَّر أعداد الشهداء الفيليين الذين أُعدموا أو اختفوا قسرًا بأكثر من 15 ألف إنسان. هؤلاء لا يملكون قبورًا، ولا تذكارات، ولا حتى اعترافًا رسميًا بأن ما جرى بحقهم كان جريمة إبادة جماعية مكتملة الأركان.
ورغم هذه المأساة، لم يتوقف الكورد الفيلية عن أداء واجبهم الوطني. قاوموا الطغيان، وساندوا حركات المعارضة، وشاركوا في بناء العراق الجديد بعد 2003. لكن الدولة العراقية، بكل مؤسساتها، ما زالت تتعامل مع مأساتهم كقضية هامشية، ولم تُقدِّم لهم العدالة المستحقة.
اليوم، وبعد أكثر من عقدين على سقوط النظام البعثي، لا يزال الكثير من الكورد الفيلية محرومين من الجنسية، ومن حقوق الشهداء والتعويضات، كما لم تُسترد ممتلكاتهم المصادرة، ولا تم تمثيلهم سياسياً بما يليق بتضحياتهم. بل إن ملفات الشهداء الفيليين لا تزال حبيسة الأدراج، تنتظر من يعترف بها، ويُعيدها إلى دائرة الضوء.
هذه ليست قضية إنسانية فقط، بل مسؤولية وطنية وتاريخية.
إنصاف الكورد الفيلية ليس مِنّة، بل حقٌ يجب أن يُنتزع، وعدالةٌ لا تقبل التأجيل.
وفي يوم الشهيد الفيلي، لا بد أن نُجدد العهد لكل أمّ ثكلى، ولكل عائلة ما زالت تبحث عن أثر ابنها، ولكل من عاش منفيًا في وطنه، أن تبقى قضيتهم حيّة، ما بقي في هذا الوطن نبضُ ضمير.
الرحمة للشهداء… والعدالة لمن بقي على قيد الألم.