في كل بيت من بيوتنا، نحن الفيليون، هناك مقعد شاغر لم يجرؤ أحد على إشغاله منذ عقود.
صورة قديمة على الرف، بهتت ألوانها من فرط الدموع المسكوبة على غائبين منا،
أبناء وأباء، أخوة وأخوات، والقائمة تطول، صور بقيت ملامح أصحابها محفورة في الذاكرة الفيلية، بل والإنسانية كلها.
اليوم، يتحدث العالم عن "اليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري" كمناسبة أممية، لكن بالنسبة لنا، هذا ليس مجرد يوم يمر أو مناسبة سنوية.
هو اسم آخر لألمنا اليومي وقصص آبائنا وإخوتنا وأبنائنا الذين لم يتهموا بجريمة سوى أنهم فيليون.
فبتلعتهم سجون النظام البائد كما تبتلع الصحراء قطرة مطر، أثراً بعد عين.
ثلاثة وعشرون ألفاً من خيرة أبناء العراق، هم مغيبو الكورد الفيليين.
لم يمنحوا محاكمة، ولم يمنحوا وداعاً، ولم يمنحوا حتى شاهد القبر الذي يعرفه أهلهم، ويزورونه كحال المليارات من البشر الذين مضوا على وجه البسيطة الى بارئهم.
جريمة الإخفاء القسري ليست مجرد موت صامت، فالموت على قسوته، له خاتمة.
أما الإخفاء القسري، فهو جرح مفتوح وسؤال يقتل ببطء كل يوم من بقي من ذوي هؤلاء المغيبين.
كيف تصف لطفل معنى أن أباه مغيب؟ وكيف تشرح لزوجة قضت شبابها في الانتظار أن عليها أن تتوقف عن الأمل بعودة زوجها بعد عقود على جرائم البعث بحق الفيليين ومسار تغييبهم القسري؟
هذا العذاب والموت الصامت هو الإرث الأقسى الذي تركه لنا الطغيان الصدامي.
عندما سقط الصنم، هرعنا ككورد فيليين، كما هرع الاف من العراقيين إلى المقابر الجماعية،
نبحث في كل قطعة قماش بالية، وفي كل عظمة، عن أثر لثلاثة وعشرين ألف مغيب فيلي.
كنا نأمل أن نجد خاتمة لقصص انتظارنا الطويلة،
أن نجد جثماناً نضمه ونبكيه ونقيم عليه عزاء يليق به، يليق بحجم المكون ومعاناته.
بعضنا وجد في تربة المقابر الجماعية رفات احبائه، والكثير منا ما زال يبحث ويبحث، والأمل يحدوهم، رغم أن 22 عاماً على سقوط الصنم، لم تكن وافية في طي صفحة المغيبين.
ورغم اعتراف المحكمة الجنائية العراقية العليا بأن ما عشناه كان إبادة جماعية، مكتملة الأركان، نشعر أحياناً أن العدالة الانتقالية لم تتحقق بعد لكل أبناء المكون.
في هذا اليوم، لا نطلق نداءً سياسياً بقدر ما نطلق نداءً إنسانياً، نحن الممثلون الأمناء على المكون الفيلي الكريم،
ندعو كل عراقي شريف، وكل مسؤول في العراق الجديد، الذي بني على تضحيات العراقيين الأوفياء، وما أوفى هؤلاء الكورد الأوفياء للعراق،
لا تتركونا ننتظر أكثر، ساعدونا لنغلق هذا الفصل من الألم العراقي، بل الإنساني ببذل كل جهد لطي صفحة البحث المؤلم عن مصير 23 ألف مغيب، مغيبون يستحقون نهاية تليق بتضحيات أهلها.
طارق المندلاوي
الامين العام
للمؤتمر الوطني العام
للكورد الفيليين
30 / 8 / 2025