×

أخر الأخبار

جميل صدقي الزهاوي... في ذاكرة خانقين وظلال الفيلية

  • 28-06-2025, 00:27
  • 116 مشاهدة

بقلم: إيناس الوندي

في خانقين، المدينة الحدودية التي لطالما كانت مزيجًا من الحنين والمقاومة الثقافية، لا يزال اسم جميل صدقي الزهاوي يتردّد كأحد الأصوات الكوردية التي شقت طريقها وسط عواصف التقليد والجمود. صحيح أن الزهاوي وُلد في بغداد عام 1863، إلا أن انتماءه الكردي، وارتباط عائلته بعشيرة بابان، ذات الامتدادات في مناطق مثل السليمانية وخانقين، يجعله حاضرًا في ذاكرة أهالي المدينة، لا سيما بين أوساط الكورد الفيلية الذين يرون في صوته انعكاسًا لهمومهم الفكرية والاجتماعية.
ينحدر الزهاوي من أسرة ذات مقام ديني وعلمي رفيع؛ فوالده محمد فيضي الزهاوي كان مفتي العراق وأحد كبار علماء زمانه، أما والدته فتنتمي إلى عائلة كوردية، وقد تربّى الزهاوي في بيئة تجمع بين الزهد الصوفي والتنوير العقلي، مما أسهم في صياغة وعيه
الفلسفي المبكر.
كان الزهاوي شاعرًا، فيلسوفًا، نائبًا برلمانيًا، وصحفيًا، لكنه قبل كل ذلك كان متمردًا بالفطرة. دافع عن المرأة في زمن التكبيل، ونادى بتحرير الفكر حين كان الصمت فضيلة، وانتقد الموروث الديني بلا وجل. تلك الصفات جعلت صوته مألوفًا في المجالس الثقافية الفيلية، التي طالما ترنت بالتجديد والتمرد السلمي.
ويكاد يكون هذا البيت الشعري من أشهر ما كتبه، حيث لخص فيه موقفه من الحياة والموت:

 جئت لا أعلم من أين، ولكنّي أتيتُ
ولقد أبصرت قدّامي طريقًا فمشيتُ

في خانقين، حيث العائلات الفيلية تنسج الذاكرة ببطء وتوق، يظل الزهاوي أحد رموز الانتماء غير الجغرافي، ذلك الذي لا تحدده خرائط الولادة بقدر ما تصنعه ملامح الفكر والموقف. وكما يقول مثقفو المدينة، فإن الزهاوي "لم يكن ابن مكان، بل ابن فكرة"، وهي الفكرة التي يحملها الكورد الفيلية معهم أينما حلّوا: أن يكونوا جزءًا من ضمير العراق التقدمي، وصداه العالي في وجه القمع والجمود.