تحقيق .ايناس الوندي
في التاسع من نيسان/أبريل 2003، شهد العراقيون لحظة كانت أشبه بالحلم: سقط تمثال صدام حسين في ساحة الفردوس، وسقط معه نظامٌ حكم البلاد بالحديد والنار لأكثر من ثلاثة عقود. لكنها لم تكن نهاية حكاية الظلم، بل بداية فصل جديد من الفوضى والدم، لا يزال العراق يحاول تجاوزه حتى اليوم.
التمثال يسقط... والدولة معه
في ظهيرة ذلك اليوم، نقلت شاشات التلفاز العالمية مشهداً بدا رمزياً ومهيباً: تمثال صدام حسين يُسحب بالحبال، ويسقط على الأرض. هتف الناس، بعضهم بفرح حقيقي، وآخرون بدهشة وخوف. لكن ما لم يكن مرئياً آنذاك هو الانهيار الكامل للدولة، الذي تزامن مع سقوط الصنم.
لم يكن هناك جيش، ولا شرطة، ولا مؤسسات تعمل. خلال ساعات، تحولت الوزارات والمكتبات والمتاحف إلى ساحات للنهب، وسيطر المسلحون على الشوارع.
"في يوم واحد، كأن العراق رجع ألف سنة للوراء"، يقول سعدون، موظف سابق في وزارة الصحة.
حلم الحرية يتحوّل إلى كابوس طائفي
بمجرد أن انتهى القيد، خرج المكبوت إلى السطح. بدأت الخلافات الطائفية تظهر، وتسللت الجماعات المسلحة إلى الأحياء والمدن. تقاتلت الهويات، وبدأت عمليات الانتقام، أحياناً على خلفيات سياسية، وأحياناً طائفية، وغالباً بلا أي قانون.
"لم نكن نعرف من هو العدو ومن هو الحليف. الجار صار يشك بجاره"، تقول أم مهند من حي الشعلة ببغداد.
الاحتلال الأميركي وعد بالديمقراطية، لكن ما وصل إلى الناس كان غير ذلك: تفجيرات، اغتيالات، اغتصاب في سجن أبو غريب، وتفكك اجتماعي طال كل بيت.
الناجون من السجون... أحرار بلا مأوى
آلاف السجناء السياسيين خرجوا من الزنازين ليجدوا أن بيوتهم نُهبت أو أُحرقت، وأهلهم تشتتوا. بعضهم لم يجدوا حتى من يفرح معهم.
"خرجت من سجن أبو غريب بعد 17 سنة، لكن لم أجد أمي. ماتت دون أن تراني"، يقول حسن جبار، أحد ضحايا الاعتقال السياسي في التسعينات.
العائدون من المنفى... ووجوه الغربة في الوطن
عاد الكثير من العراقيين الذين هربوا في زمن النظام السابق، معتقدين أن الوطن بات آمناً، لكن كثيرين منهم صُدموا بواقع جديد مليء بالخوف والفساد والانقسامات.
"رجعت من لندن كي أساهم في بناء العراق، فوجدت العراق بلا أبواب"، يقول الدكتور ن.ح، أستاذ جامعي عاد عام 2004 وغادر ثانية عام 2007 بعد تهديده بالقتل.
جيل لم يعرف صدام... لكنه يدفع ثمنه
الجيل الذي وُلد بعد 2003 لم يعرف صدام حسين، لكنه نشأ في ظل آثار حكمه وسقوطه. عاش الحروب، النزوح، الطائفية، وتردي الخدمات، حتى بات يرى الديمقراطية ككذبة مكررة.
"يقولون أننا أحرار، لكني لم أعرف غير القصف والانفجارات"، تقول زينب، طالبة من بغداد وُلِدت عام 2005.
ماذا بعد أكثر من عقدين؟
رغم تعاقب الحكومات، وانتخابات متعددة، لا يزال العراق يواجه مشاكل مزمنة في الأمن، الفساد، والخدمات. ومع كل ذكرى لسقوط النظام، ينقسم العراقيون: بين من يرى فيه يوماً للتحرير، وآخرين يعتبرونه بداية لانهيار الدولة.
لكن الحقيقة الأكثر مرارة أن العراق لم يُمنح فرصة حقيقية ليلتقط أنفاسه، وأن سقوط النظام لم يكن كافياً لتحقيق العدالة، دون مشروع وطني جامع، ودون محاسبة حقيقية.
خاتمة: في 9 نيسان سقط التمثال، لكن لم تُبْنَ دولة. تحرر العراقي من الخوف، لكنه عاش في ظل القلق المستمر. وبين الحلم والخذلان، تبقى ذكرى ذلك اليوم جرحًا مفتوحًا في ذاكرة وطن لا يزال يبحث عن سلامه الداخلي.