×

أخر الأخبار

خانقين… حين كان الضوء يحكي: قصة ماكنة العرض في سينما النصر ورجالها

  • 22-11-2025, 21:30
  • 131 مشاهدة

خانقين . ايناس الوندي

 الماكنة التي صنعت ذاكرة المدينة ودور المرحوم محمود عبدالصمد في صناعة العرض السينمائي

على ضفاف مدينة خانقين، المدينة التي حملت طوال قرن كامل خليطًا من الثقافة والوجع، وقفت ماكنة عرض الأفلام في سينما النصر أشبه بقلبٍ نابض، يدور بضوءٍ أبيض يشقّ العتمة، ليزرع الفرح في وجوه سكان المدينة.
هذه الماكنة الحديدية الثقيلة، التي يظهر بجانبها في إحدى الصور القديمة المرحوم محمود عبدالصمد، لم تكن مجرّد جهاز تقني… بل كانت بوابة خانقين الأولى إلى العالم.

من البدايات الأولى للسينما في خانقين
تشير روايات أبناء المدينة ومصادر محلية إلى أن خانقين كانت من أوائل المدن العراقية التي عرفت عروض السينما في بدايات القرن العشرين، عندما بدأت الأفلام الصامتة تصل عبر تجّار ورحّالة، قبل أن تُفتتح فيها صالات عرض رسمية لاحقًا، مثل سينما النصر وسينما الخضراء.
ومع تطور الحركة الثقافية في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، أصبحت السينما جزءًا من الحياة اليومية للعائلات، ونافذة شباب خانقين على الأفلام المصرية والهندية والتركية، التي كانت تُعرض على تلك الماكنات ذات البكرات المعدنية العملاقة.

سينما النصر… ذاكرة جيل كامل
من بين كل القاعات، احتفظت سينما النصر بمكانة خاصة. كانت تقع في مركز المدينة، وتتحول ليالي الخميس فيها إلى مهرجان صغير: باعة اللبّ، أصوات الأولاد، ضحكات العائلات، وارتجاف المقاعد الخشبية مع بداية العرض.

داخل غرفة العرض، كان يقف الرجال الذين شكّلوا العمود الفقري لهذا الإرث، ومن بينهم المرحوم محمود عبدالصمد، أحد أشهر مشغّلي أجهزة العرض في خانقين.
الصورة المتداولة له إلى جانب ماكنة العرض تعدّ اليوم وثيقة مهمة؛ فهي لا تُظهر الرجل فقط، بل تكشف حقبة كاملة كانت فيها السينما رمزًا للحداثة والتحضّر في المدينة.

محمود عبدالصمد… حارس الضوء
لم يكن تشغيل تلك الماكنة أمرًا بسيطًا. كانت تحتاج إلى خبرة في ضبط البكرات، توقيت الإضاءة، التعامل مع حرارة اللمبات، وتبديل الأشرطة دون أن يشعر المشاهد بأي انقطاع.
الرواة من عائلة وأصدقاء الراحل يؤكدون أنه كان من بين القلائل الذين أتقنوا هذا العمل بدقة، وظلّ لسنوات طويلة يشرف على عروض سينما النصر، محافظًا على إيقاع الفيلم الذي ينتظره الجمهور كل ليلة.

الماكنة… قطعة من الحديد تحمل ذاكرة مدينة
الماكنة نفسها، التي ظهرت في الصورة التاريخية، أصبحت اليوم رمزًا ثقافيًا بالنسبة لأهالي خانقين.
أجيال كاملة تعلّقت بأفلام العشق والمغامرة، وارتبطت ذكرياتهم بذلك الصوت المميز:
دوران البِكرة، وارتعاش الضوء، وفتح الستارة البيضاء.

هذه القطعة الميكانيكية تحوّلت إلى شاهد على:

تطور الذائقة الفنية في المدينة

نشوء الحركة السينمائية في خانقين

وتحول السينما إلى فضاء اجتماعي يجمع العائلات


ومع إغلاق صالات السينما خلال العقود الأخيرة، أصبحت صور مثل صورة محمود عبدالصمد آخر ما تبقى من زمنٍ كان فيه الفيلم السينمائي حدثًا لا يُفوّت.

الذاكرة الباقية… ومسؤولية التوثيق

اليوم، وبعد توقف دوران بكرات سينما النصر، يشعر الكثير من أهالي خانقين بأن هذا التاريخ يستحق أرشفة رسمية.
فهذه الماكنة ليست مجرد آلة… إنها ذاكرة مدينة كاملة، وقطعة من روح خانقين التي بقي نورها حاضرًا رغم كل ما مرّت به.