×

أخر الأخبار

خانقين تستعيد وهج السينما بعد عشرين عاماً من الصمت

  • 12-07-2025, 10:26
  • 156 مشاهدة

خانقين – إيناس الوندي

في لحظةٍ أعادت لذاكرة المدينة بريق الماضي ودفء الليالي الثقافية، شهدت مدينة خانقين، مساء أمس، حدثاً استثنائياً تمثل في عرض سينمائي نُظم أمام بناية سينما "الخضراء"، بعد توقف دام أكثر من عشرين عاماً.
العرض الذي حمل عنوان "دار جهنم (شابلي شيني)"، لم يكن مجرد فيلم، بل كان بمثابة استعادة لذاكرةٍ جماعيةٍ كادت أن تُطمر، في وقتٍ كانت فيه السينما جزءاً من حياة المدينة وروتينها الثقافي. هذا العرض، الذي يُعد الثاني على مستوى العراق من حيث الفكرة، تم تقديمه في الهواء الطلق، أمام جدران السينما القديمة، لا داخلها، احتراماً لوضعها المعماري المتهالك، وكأنه نداء إلى ضرورة الحفاظ على تراث المدينة قبل أن يندثر.
   مدينة السينما... حينما كان للشاشة الكبيرة سحرها

خانقين، المدينة الحدودية ذات الطابع الكوزموبوليتاني، كانت في أربعينيات القرن الماضي تحتضن أكثر من دار عرض.
أقدم تلك الدور كانت تقع في منطقة باشا كوپري، مقابل المكتبة العامة، قرب مبنى دائرة الري اليوم. تلك السينما، والتي كانت من أوائل دور العرض في العراق، ظلت شاشتها قائمة حتى خمسينيات القرن الماضي، وكان يسكن تحتها أحد وجهاء المدينة، المرحوم إبراهيم باجلان.
أما البريطانيون، الذين كانت لهم مستوطنة في منطقة نفط بانميل، فقد أنشأوا دار عرض خاصة بهم، تُعرض فيها الأفلام الوثائقية والتعليمية لعمال النفط وعائلاتهم.

كذلك، لا يمكن نسيان السينما الصيفية التي كانت تعود ملكيتها للمرحوم علي بيوكي، وتقع خلف كراج كرندي، حيث كانت تُعرض الأفلام في الهواء الطلق خلال الأمسيات المعتدلة، في مشهد يجمع العائلات والخِلان.

  سينما الخضراء.. شاهدة على مجدٍ غائب
تبقى سينما الخضراء الواقعة وسط السوق القديم، حاضرة بصمتها الإسمنتية رغم تقادم الزمن. شباب المدينة اليوم يمرّون بجانبها دون أن يدركوا أن هذه البناية الصامتة كانت يوماً ما تملأ الأحياء ضجيجاً وضحكاً وتصفيقاً.
أحد الحضور في العرض الأخير، وهو من قدامى سكان المدينة، قال وهو ينظر بشغف إلى الشاشة:
"جنا ندخل بيها سنة 1989، من كنا نداوم بلواء 66 في بختياري. جانت السينما صالة جبيرة، بيها فوج أول وثاني وسرية مقر، واليوم تفلشت وما نعرف شنو السبب. والله اشتقنا ليها."

    غيابٌ طويل وحنينٌ لا يخبو
توقفت العروض السينمائية في خانقين بداية الألفينات، بسبب الظروف السياسية والأمنية، وأُهملت دور العرض حتى تصدّعت جدرانها وتحوّلت بعضها إلى خرائب. لكن الحنين ظلّ في قلوب الأجيال، ينتظر من يوقظه، ولو بفيلم يُعرض على جدار قديم.
العرض الأخير كان بمثابة "نفضة ذاكرة"، رسالة إلى الجهات المعنية بأن السينما ليست فقط وسيلة ترفيه، بل تراث وهوية حضرية يجب الحفاظ عليها.
همسة أمل في ليل المدينة
ربما لن تعود السينما كما كانت، وربما لا تُرمم كل القاعات، لكن ما حدث الليلة أمام سينما الخضراء ليس مجرد عرض، بل خطوة رمزية نحو استعادة وجه خانقين الثقافي، وجهها المشرق قبل أن يُغلفه الغبار والإهمال.