مندلي _ ايناس الوندي
في قلب قضاء مندلي بمحافظة ديالى، وعلى مقربة من الحدود الإيرانية، يقف مرقد الحاج يوسف، المعروف محليًا بلقب "أبو حية"، كشاهد على تلاقي الإيمان الشعبي والعلاج البديل، ومزارًا يتوافد إليه الكورد الفيليون من مختلف مناطق العراق طلبًا للشفاء والتبرك.
البركة العجيبة: "الصيدلية الطبيعية"
على بعد خطوات من المرقد، توجد بركة ماء وطين يطلق عليها الأهالي لقب "الصيدلية". يروي الزوار أن الطين يشعرهم بدغدغة ولسع خفيف يشبه لدغة الأفعى، وهو ما منح المرقد لقبه الشهير. يقول بعضهم إن البركة تشفي الأمراض الجلدية المستعصية مثل الجرب والأكزيما، وأنها تساعد في حالات أخرى يعجز الطب الحديث عن علاجها بسرعة.
خالد سعيد (38 عامًا)، من بغداد، يروي تجربته:
"لقد أصبت بالجرب ولم تُجدي المراهم الطبية في العلاج سريعًا، لكن بعد زيارة بركة الحاج يوسف واستخدام الطين، شعرت بالشفاء خلال يومين فقط."
ويؤكد خبراء محليون أن مياه البركة تحتوي على معادن كبريتية تساعد في بعض الالتهابات الجلدية، بينما يظل التأثير الروحي والديني عاملًا أساسيًا في شعور الزوار بالتحسن.
الحاج يوسف: بين التاريخ والأسطورة
يُنسب الحاج يوسف، أو "حاي يوسف" كما ينطق أهالي مندلي اسمه، إلى الإمام الحسن بن علي رضي الله عنهما، وكان من حاملي البريد أثناء الفتوحات الإسلامية، وربما ساقيًا للجيش. ويقول مدير الإعلام وعلاقات دائرة المزارات في الوقف الشيعي، أحمد الربيعي، إن الحاج يوسف، الملقب أبو الفتح، توفي عام 791 هـ ودفن في تلة أثرية، وفق ما ورد في كتاب "عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب" لابن عنبة.
لكن، كما يشير الباحث في شؤون الأديان والآثار، الشيخ عباس شمس الدين، فإن بعض المصادر تعتبر هذا المزار من المراقد المجهولة، إذ إن نسبة المرقد إلى الحاج يوسف ليست مؤكدة تاريخيًا، إلا أن التقاليد المحلية أكسبته مكانة دينية واجتماعية بارزة بين سكان المنطقة، وخاصة الكورد الفيليين.
الكورد الفيليين ومندلي: تقاليد وتواصل اجتماعي
لطالما شكل الكورد الفيليون نسبة كبيرة من سكان مندلي، ويربطهم بالمرقد تاريخ طويل من التقاليد الثقافية والدينية. يحرص الزوار منهم على زيارة البركة خلال الأعياد والمناسبات الدينية، معتبرين أن استخدام مياه وطين البركة جزء من طقوسهم الاجتماعية والدينية، وأنه يجلب البركة والشفاء للعائلة والمجتمع.
الجوانب العلمية: مزج الإيمان بالطب الشعبي
تشير الدراسات إلى أن المياه الكبريتية و
الطين المعدني قد يكون لهما تأثيرات مفيدة لبعض الأمراض الجلدية، إذ يحتوي الكبريت على خصائص مضادة للبكتيريا والمطهرة. ومع ذلك، يؤكد الخبراء ضرورة استشارة الأطباء قبل الاعتماد على هذه العلاجات، خاصة للحالات المزمنة أو المعدية، إذ إن النتائج قد تختلف من شخص إلى آخر.
تحديات البركة: الجفاف وانخفاض الموارد
شهدت بركة الحاج يوسف خلال العام الحالي جفافًا ملحوظًا بسبب نقص المياه الجوفية وارتفاع درجات الحرارة، مما قلل أعداد الزوار بشكل مؤقت. وأكد مازن أكرم الخزاعي، مدير ناحية قزانية، أن البركة تعتمد على عيون سطحية تتغذى من المياه الجوفية، وأن الاستخدام المفرط للري الزراعي وسوء إدارة الموارد المائية أسهم في انخفاض منسوب المياه، إضافة لتغير المناخ وغياب الأمطار.
خاتما:
يبقى مرقد الحاج يوسف في مندلي رمزًا لتلاقح الإيمان بالطب الشعبي، ويعكس العلاقة المتجذرة للكورد الفيليين بموروثهم الثقافي والديني. بين العلاج بالماء والطين والمعتقدات الروحية، يستمر الزوار في التوافد إلى هذا المزار، بينما يبقى السؤال قائمًا: هل ستتواصل هذه التقاليد رغم الجفاف والتغيرات البيئية، أم أن التحديات ستغير شكل العلاقة بين الإيمان والعلاج الشعبي؟