×

أخر الأخبار

قلعة سفيد ومجتمع "قلعة بالي".. حينما تروي مندلي حكاية الكورد الفيلية من قلب التاريخ

  • 23-07-2025, 19:08
  • 314 مشاهدة

 إعداد: إيناس الوندي

في أقصى شرقي محافظة ديالى وفي قضاء مندلي تحديدا ، وعلى تخوم التاريخ والجغرافيا، تقف قلعة سفيد، أو ما يُعرف شعبيًا بقلعة مندلي، شامخة بين الذاكرة والركام، شاهدةً على حضارة قديمة ضاربة في جذور الزمن. إنها ليست مجرد تل أثري أو موقع طيني، بل رمز للهوية الفيليّة الكوردية في مدينة مندلي، التي لطالما كانت معقلًا للثقافة والتعايش، وموطنًا لعائلات تركت بصماتها في التاريخ العراقي الحديث
 قلعة سفيد: شواهد تعود إلى الفرثيين والساسانيين
تُعد قلعة سفيد من أقدم القلاع الأثرية في العراق، وتقع جنوب مدينة مندلي، على تل كبير منحدر، وُجدت فيه لقى فخارية تعود إلى العصر العباسي وأخرى من عصور ما قبل التاريخ، ما يعزز الاعتقاد بأن القلعة كانت مأهولة ومستخدمة في فترات متعاقبة بدءًا من الحقبة الفرثية والساسانية، مرورًا بالعهد العباسي، وحتى بدايات العصر الحديث.
الباحثون يرون أن موقعها الاستراتيجي لم يكن عسكريًا فقط، بل كان يمثل نقطة تحكم في طرق التجارة القديمة التي ربطت العراق بإيران، كما كانت مركزًا إداريًا للمدينة، تحت إشراف شخصيات من أبناء العشائر الفيلية الأصيلة.

 محلة "قلعة بالي": الحي الذي يحفظ ملامح مندلي القديمة

من أبرز المحلات التراثية في مندلي، تأتي محلة قلعة بالي، المعروفة محليًا باسم "قلابالي"، والتي يعود اسمها بحسب الروايات الشعبية إلى أخوين قديمين، بنى أحدهما قلعة كبيرة وسكن فيها، فسُميت المنطقة باسمه. تضم المحلة أحياء عريقة مثل:

حي جوارودار

حي قسبساني

سرتبة (سرجو)

دربوحين

حي حلواجي

و"زقاق دروازة" و"علي جني"
ولا تقتصر شهرتها على قدمها، بل لأنها احتضنت شخصيات ثقافية وتاريخية لعبت دورًا محوريًا في نهوض المدينة، كما احتضنت الحسينية الزهراء (ع)، ونهر السوق الشهير (جووبازار)، ومواقع روحية كـ مقام الإمام علي (ع).

 دور العائلات الكوردية الفيلية في القلعة والمحلة
برغم سياسة التهميش التي تعرض لها الكورد الفيليون، حافظت عائلات بارزة مثل القره‌لوس، المندلاويين، البندنيجي، كلكه، نظرعلي، مظلوم، الحداد وغيرهم على إرثهم الاجتماعي والمعرفي داخل القلعة ومحلة قلعة بالي.
من أبرز أدوارهم:
إدارة محلية: حيث كان مختارو المحلة من أبناء هذه العائلات، مثل ميرزا محمود لر، ومحمد محمود لر، وشكر محمود، والسيد فاضل مجيد حساوي حتى عام 1982.

ثقافة وتعليم: أنجبت المحلة كتّابًا وشعراء وفنانين وصوفيين، منهم:

السيد ظاهر البندنيجي (المعارف والتصوف)

عيسى غيدان رمزي (الثقافة والعلوم)

فيض الله مظلوم (الفنون التشكيلية)

مهدي حسين (الإعلام)
الدين والعبادة: عبر بناء الحسينيات والتكايا والمقامات، مثل تكية البندنيجي وحسينية الإمام الصادق (ع).
 بين التهميش والبقاء: القلعة والمحلة تصرخان في صمت

لم تنجُ القلعة ولا محلة قلعة بالي من آثار التهجير القسري والتهميش الثقافي، خصوصًا بعد الثمانينات، حين بدأت سياسات التعريب تطال حتى أسماء الأحياء والعوائل، فتم إبعاد الكورد الفيلية عن المشهد السياسي والثقافي، وتركوا إرثهم ينهار بلا توثيق.

ورغم كل ذلك، ما زالت بعض المنازل الطينية، والزقاق القديمة، وقنوات المياه (مثل ساقية نهاية المحلة) قائمة، تسرد روايات صمود الأهالي.

أخيرا . نداء لاستعادة التاريخ الفيلي في مندلي

قلعة سفيد ومحلة قلعة بالي ليستا مجرد مواقع جغرافية، بل رمزٌ لهوية قومية وتاريخ حضاري مغيّب.
اليوم، ومع بروز دعوات لإعادة توثيق التراث الفيلي، تطالب نخبة من مثقفي مندلي بإنشاء مركز توثيق ثقافي فيلي داخل المدينة، يضم وثائق وصور وخرائط العوائل القديمة، وإدراج قلعة سفيد ضمن لائحة المواقع الأثرية الرسمية.

 "من لا يكتب تاريخه يُكتَب له"... فهل نكتب لمندلي ما تستحق؟


ملاحظة : الرواية الشعبية الأشهر:لمعنى (مجتمع بالي )او (قلعة بالي )
يقال إن أخوين وردا إلى مندلي قبل
مئات السنين (ربما من مناطق في شرق كرماشان أو شمال خانقين)، فسكن الأخ
الأكبر في منطقة مرتفعة داخل المدينة،
وبنى فيها قلعة عالية وكبيرة، فأطلق الناس عليها:
 "قلعة بالي" أو باللهجة المحكية "قلابالي"
 أي: القلعة التي بَناها "بالي" أو "بالك"، ويُعتقد أن الاسم محرف عن "بالك" أو اسم شخصي.

 أما الأخ الأصغر، فقد سكن في منطقة
أخرى تُعرف اليوم باسم قلم حاج، وبنى فيها قلعة أخرى سميت بـ "قلعة مير حاج".