×

أخر الأخبار

مندلي بين النكبة والأمل: الكورد الفيلية يقاتلون لاستعادة أرضهم

  • 26-04-2025, 23:08
  • 341 مشاهدة


مندلي - إيناس الوندي

بين سهول ديالى الجافة اليوم، تختبئ مدينة مندلي خلف غبار السنين، وهي التي كانت يومًا فردوسًا من البساتين الغنّاء.
كانت الأرض هنا تتنفس عبر الجداول، وتفوح من أشجارها روائح الرمان والعنب، ويعيش الناس على أنغام السواقي وحفيف الأشجار.
غير أن عجلة الزمن، والسياسات الجائرة، وحملات التهجير القاسية، اجتمعت على خنق هذه الحياة، حتى أصبحت مندلي، رمزًا للغياب والنسيان.
مندلي القديمة: أرض الماء والخصب

لم تكن مندلي مجرد قضاء صغير تابع لمحافظة ديالى، بل كانت لؤلؤة خضراء تحتضن آلاف الدونمات من البساتين المثمرة.
على امتداد سنوات طويلة، اعتمد سكانها، وفي مقدمتهم الكورد الفيلية، على الزراعة كمصدر رئيس للعيش والهوية معًا.
لم تكن الزراعة بالنسبة لهم مجرد مهنة، بل كانت عشقًا وارتباطًا بالأرض، يورثونه للأبناء كما يورثونهم أسماء العائلات.

النكبة: التهجير السياسي وإبادة الأرض
في أواخر السبعينيات، عصفت رياح القسوة بالكورد الفيلية حين أطلق النظام المقبور حملات تهجير جماعية ضدهم، بذريعة التشكيك بأصولهم.
انتُزعت الأراضي منهم قسرًا، وصودرت البساتين دون وجه حق، وهُجّر آلاف العائلات إلى الحدود دون وثائق أو ممتلكات.

يقول حسن كريم، وهو ابن أحد المهجّرين:
"أبويه الله يرحمه، چان كل يوم يكعد يتحسر... يحچي ويكول: أراضينا، نخيلنا، تعب عمرنا كله راحت بلحظة. أربعين سنة واحنه نركض ورا أوراق تثبت حقنا، بس محد سمع صوتنه."

اليوم: أراضٍ مغتصبة وقرارات حبراً على ورق

رغم سقوط النظام البائد عام 2003، ورغم صدور قرارات حكومية عدة تؤكد حق الكورد الفيلية باستعادة ممتلكاتهم، إلا أن التنفيذ ظل حبرًا على ورق.
البساتين تُركت للضياع، كثير منها استولى عليه متنفذون أو تُركت للجدب، والأهالي ينتظرون سنوات دون أن تلوح بارقة أمل حقيقية.

يروي أبو حسن، وهو فلاح مسنّ بقي في مندلي:
"چنت أصحى الفجر أسقي البستان وأشم ريحة التراب المبلل... هسه البستان صار خرابة. لا ميه، لا زرع، ولا ولادنا بگوا يحبون الزراعة... الكل ترك ورحل يدور على رزقه."

بين جفاف الأرض وجفاف الحقوق

ما تزال مندلي تقف شاهدة على مأساة لم تندمل.
فالأرض التي كانت تفيض حياةً باتت الآن تتوسل الغيث، كما يتوسل أصحاب الحقوق استعادة أراضيهم.

تقول أم خالد، وهي أرملة من الكورد الفيلية:
"طلعونا من أراضينا وسلبوا كلشي... حتى نخلتنا ما شفناها من يومها. مندلي عطشانة، واحنه بعدنا نحلم برجعة ما ندري إذا نلحقها لو لا."

جهود محسن المندولاي: أمل يتجدد

غير أن السنوات الأخيرة شهدت حراكًا جادًا بفضل الجهود الحثيثة التي بذلها أحد أبناء مندلي المخلصين، محسن المندولاي، وهو من الكورد الفيلية ويشغل حاليًا منصب النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء العراقي.
عمل المندولاي بجد على تحريك هذا الملف الحيوي، وساهم في صياغة ودعم إصدار قرار حكومي ينص على إعادة الأراضي المغتصبة إلى أصحابها الشرعيين من الكورد الفيلية.
ورغم صدور القرار، لا تزال المعوقات البيروقراطية وتسلط بعض الجهات النافذة تمنع تنفيذه الكامل على أرض الواقع، لتظل حقوق آلاف العوائل الكوردية الفيلية رهينة الانتظار.

خاتما.
في مندلي، تصرخ الأشجار اليابسة كما تصرخ القلوب المثقلة بالحزن، وفي كل نخلة يابسة، وكل ساقية جافة، حكاية ظلمٍ لم تجد من ينصفها.
يبقى السؤال معلقًا: متى يعود لأصحاب الأرض حقهم، قبل أن تدفن الذاكرة في رمال النسيان؟