×

أخر الأخبار

الكورد الفيليون في بغداد.. من أعمدة الاقتصاد إلى ضحايا التهجير والمصادرة

  • 25-01-2025, 12:47
  • 38 مشاهدة

على مدى عقود طويلة، كان الكورد الفيليون أحد الأعمدة الرئيسية للاقتصاد العراقي، وبرزوا كقوة اقتصادية في بغداد، خصوصاً في مجال تجارة الحديد والصناعات المرتبطة به. إلا أن هذه الشريحة تعرضت لاضطهاد ممنهج وصراع مرير مع النظام البعثي الذي صادرت ممتلكاتهم، وهجرهم قسراً، ليترك أثراً عميقاً في تاريخهم وهويتهم.

من رواد التجارة إلى ضحايا السياسات التعسفية

برز الكورد الفيليون كأحد أعمدة التجارة في بغداد منذ أوائل القرن العشرين. تخصصوا في تجارة الحديد والمواد المعدنية، حيث امتلكوا الورش والمصانع الصغيرة التي كانت تدعم قطاع البناء والصناعات المختلفة. كما شملت أنشطتهم مجالات أخرى كالأغذية والنسيج، مما جعلهم من الركائز الاقتصادية المهمة في بغداد.

"لقد كنا نمتلك محال تجارية ومخازن مليئة بالبضائع، وكان اسمنا معروفاً في سوق بغداد"، يقول أحد أبناء الكورد الفيليين الذي فضل عدم ذكر اسمه، مضيفاً: "لكن كل شيء تغير عندما بدأت السلطات بمصادرة ممتلكاتنا وتهجيرنا قسراً."

حملة المصادرة والتهجير القسري

في سبعينيات القرن الماضي، بدأ النظام البعثي حملة منظمة ضد الكورد الفيليين، بزعم أنهم "غرباء" و"إيرانيون". شملت هذه الحملة مصادرة منازلهم، محالهم التجارية، وأصولهم الصناعية، والتي كانت تشكل مصدر رزقهم الأساسي.

إضافة إلى ذلك، شهدت التسعينيات ذروة العنف ضدهم، حيث أقدم النظام على إعدام عدد كبير من تجار الكورد الفيليين في سوق الشورجة، أكبر مراكز التجارة في بغداد. استهدفت هذه الإعدامات، التي تمت بتهم واهية مثل "التآمر" و"العمل مع العدو"، أبرز تجار المواد الغذائية في السوق، ما تسبب في صدمة اقتصادية واجتماعية كبيرة.

"لم تكن تهمة سوى وسيلة للتخلص من نفوذنا الاقتصادي"، يقول أحد أقارب أحد المعدومين، مشيراً إلى أن "هذه الإعدامات لم تكن سوى فصل آخر في سلسلة المظالم التي عانيناها لعقود".

خسائر اقتصادية واجتماعية هائلة

أدت هذه السياسات إلى تدمير البنية الاقتصادية للكورد الفيليين، وأثرت بشكل كبير على المجتمع العراقي بأسره. فقد أدى غياب هذه الشريحة النشطة اقتصادياً إلى تراجع قطاعات حيوية في السوق العراقية.

بعد 2003.. آمال باستعادة الحقوق

مع سقوط النظام البعثي في 2003، عاد الحديث عن مظلومية الكورد الفيليين. حاولت الحكومات المتعاقبة معالجة القضية، حيث جرى الاعتراف بما تعرضوا له من اضطهاد وبدأت بعض المحاولات لاستعادة ممتلكاتهم وحقوقهم.

لكن رغم هذه الجهود، ما زالت عملية استعادة الحقوق تواجه عقبات قانونية وإدارية. "لقد فقدنا كل شيء، ونأمل أن يتحقق الإنصاف يوماً ما"، يقول أحد المتضررين.

رسالة أمل وصمود

رغم ما تعرضوا له، أثبت الكورد الفيليون قدرتهم على الصمود. عاد البعض منهم إلى بغداد بعد سنوات من التهجير، وأعادوا بناء حياتهم بصعوبة، مع الحفاظ على هويتهم وتراثهم الثقافي.

"نحن جزء من هذا الوطن، وسنظل نعمل من أجل إعادة بناء ما فقدناه"، يقول أحدهم، معبراً عن إصراره على استعادة حقوقه، وحقوق الآلاف من أبناء جلدته الذين لم يتخلوا عن الأمل رغم قسوة الظروف.

قصة الكورد الفيليين هي واحدة من قصص العراق التي تروي معاناة شعب أُجبر على الهجرة، لكنه ظل متمسكاً بجذوره وحلمه في حياة كريمة بوطنه.

بغداد .ايناس الوندي