دعوة عبد الله أوجلان إلى حلّ حزب العمال الكوردستاني.. الدوافع والتداعيات والنتائج
مشاركة عبر:
2-03-2025, 00:20
58 مشاهدة
الكاتب .خيري بوزاني
لم تكن دعوة عبد الله أوجلان الأخيرة إلى حلّ حزب العمال الكوردستاني وإنهاء الكفاح المسلح مجرد لحظة، بل كانت تحولاً جوهرياً في المسألة الكوردية في تركيا والمنطقة بأسرها. فقد جاءت هذه الدعوة في لحظة تحوّل كبيرة، تداخل فيها البعد السياسي الداخلي مع البعد الإقليمي والدولي، وأُعيد فيها تنظيم التوازنات والمصالح. فهل كانت هذه الدعوة خطوة استراتيجية مدروسة بناءً على قناعات أوجلان الجديدة، أم أنها كانت نتيجة ضغط سياسي من وضع السجن والعزلة والمتغيرات الدولية والإقليمية؟ منذ تأسيسه في السبعينيات من القرن الماضي، كان حزب العمال الكوردستاني المتأثر بالفكر اليساري الثوري والهادف إلى الاستقلال الوطني من خلال الكفاح العسكري، تحت راية الكفاح المسلح. لكن مع مرور العقود، تغيرت الأولويات السياسية، ليس فقط على مستوى حزب العمال الكردستاني، بل على مستوى القضية الكوردية ككل. فمنذ التسعينيات فصاعداً، بدأ التحول الأيديولوجي يظهر في خطابات أوجلان، حيث تحول تركيزه من فكرة الاستقلال إلى مفاهيم الحكم الذاتي والديمقراطية المحلية. أجبر انهيار الاتحاد السوفيتي وتراجع الحركة اليسارية المسلحة في العالم أوجلان على إعادة النظر في استراتيجيته السابقة. ومع ذلك، فإن إقامة أوجلان في سجن جزيرة إمرالي منذ عام 1999 ألقت بظلال من الشك على مدى استقلاليته. وعلى وجه الخصوص، عززت سيطرة الحكومة التركية على توقيت تصريحاته وصياغة رسائله فرضية أنه أصبح أداة سياسية في الصراع الأوسع نطاقاً. فبالنسبة لتركيا، التي تسعى إلى تعزيز علاقاتها مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، تشكل قضية حزب العمال الكوردستاني عقبة رئيسية أمام تحسين صورتها الدولية. كما يشكل الوجود العسكري لحزب العمال الكوردستاني في شمال سوريا والعراق مصدر قلق أمني لأنقرة، التي تخشى أن يؤدي صعود المسلحين الكورد إلى عودة المطالب الانفصالية داخل حدودها. وعلاوة على ذلك، فإن التوقيت السياسي مهم أيضاً. فربما تراهن الحكومة التركية على هذه الخطوة لجذب أصوات الكورد المعتدلين في الانتخابات المقبلة. غير أن السؤال الأكثر إلحاحاً هو مدى استجابة حزب العمال الكوردستاني لهذه الدعوة، حيث يواجه أزمة داخلية غير مسبوقة من الانقسام بين ذراعيه العسكري والسياسي. فبينما لا يزال أوجلان شخصية محورية، رفض قادة عسكريون بارزون مثل مراد كارايلان وجميل بايق رفضاً قاطعاً التحركات الرامية إلى تفكيك الحزب، معتبرين أن التخلي عن السلاح دون ضمانات سياسية حقيقية ليس أكثر من استسلام غير مشروط. ومن ناحية أخرى، كان قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي أكثر مرونة، حيث قال إن الدعوة موجهة إلى حزب العمال الكوردستاني ولن تؤثر على قوات سوريا الديمقراطية. في هذا الوضع المربك، تبرز تساؤلات حول مصير الجناح العسكري لحزب العمال الكوردستاني. ويبدو أن الخيارات محدودة. فالاندماج في العملية السياسية هو سيناريو مستبعد دون ضمانات تركية جدية، وإذا تم تفكيك حزب العمال الكوردستاني، فقد تظهر جماعات كوردية مسلحة جديدة تصبح أكثر تطرفاً، مما يزيد من تعقيد الوضع الأمني الإقليمي. كما أن هناك احتمالاً أن يلجأ حزب العمال الكوردستاني إلى أساليب جديدة تقوم على عمليات متفرقة داخل حدود تركيا أو عبرها، مما يترك الباب مفتوحاً أمام إمكانية استمرار العمليات العسكرية غير الرسمية. وسيعتمد تأثير هذه الدعوة على المسألة الكوردية في تركيا على رد فعل الحكومة التركية واستعدادها لتقديم تنازلات كبيرة. فمن الناحية التاريخية، لم تستجب أنقرة لتدابير التهدئة السابقة، ولم تؤد مبادرات وقف إطلاق النار التي أعلنها حزب العمال الكوردستاني في الماضي إلى إجراءات ملموسة من قبل الدولة التركية. وقد عززت هذه التجارب انعدام الثقة بين الكورد الذين يعتقدون أن إلقاء السلاح دون مكاسب سياسية حقيقية سيؤدي إلى مزيد من التهميش لحقوقهم. وعلى الصعيد الإقليمي، من المرجح أن يكون لهذه الدعوة تداعيات متباينة. ففي العراق، قد تسهم في تخفيف حدة التوتر بين حزب العمال الكوردستاني والدولة العراقية، لكنها في الوقت نفسه قد تؤثر على الوضع السياسي للكورد، خاصة في ظل الصراعات القائمة بين مختلف القوى الكوردية. وفي سوريا، قد تزيد الدعوة من الضغط على قوات سوريا الديمقراطية. وتعتمد شرعية قوات سوريا الديمقراطية جزئياً على ارتباطها بحزب العمال الكوردستاني، ما يجعلها عرضة للتدخل التركي المباشر. أما على الصعيد الدولي، فقد رحبت الأمم المتحدة بالخطوة باعتبارها إشارة إيجابية نحو السلام، لكن واشنطن كانت حذرة، دون تغيير موقفها من تصنيف حزب العمال الكوردستاني كمنظمة إرهابية. كما رأى الاتحاد الأوروبي في هذه الخطوة فرصة لإنهاء الصراع، لكنه شدد على ضرورة وجود ضمانات سياسية للكورد. ورحبت إيران بالدعوة، لكنها لم تعرب عن موقف واضح بشأن مستقبل القوات المسلحة الكوردية. كما أعرب العراق وإقليم كوردستان عن دعمهما لحل سياسي مستدام. ومع ذلك، وفي ظل غياب التزام رسمي من الدولة التركية بمنح الكورد حقوقاً سياسية، هناك قلق من أن تكون الدعوة خطوة رمزية ولن يكون لها تأثير حقيقي، إذ قد يؤدي الانقسام داخل حزب العمال الكوردستاني إلى انهيار داخلي بدلاً من إنهاء الصراع، حيث يمهد انهيار الحزب الطريق لظهور تنظيمات أكثر تطرفًا، وقد يعيد العنف إلى مستويات أكثر خطورة. على الرغم من هذه التحديات، هناك أيضًا فرص سياسية يمكن أن تنشأ عن هذه الدعوة. وتبقى هناك إمكانية فتح الباب أمام المفاوضات السياسية إذا قررت الحكومة التركية أخذها على محمل الجد. كما يمكن أن يؤدي خفض مستوى العنف إلى زيادة فرص العمل السياسي للكرد في تركيا، الأمر الذي قد يعود عليهم بالفائدة إذا ما تم استغلال هذه اللحظة بشكل استراتيجي. في نهاية المطاف، يبقى السؤال الجوهري هو ما إذا كانت دعوة أوجلان ستنفذ أم ستبقى مجرد إعلان لا معنى له. ويعتمد هذا السؤال على مدى استعداد حزب العمال الكوردستاني لتنفيذ الدعوة وما إذا كانت الحكومة التركية جادة في تقديم تنازلات سياسية. وإلى حين معرفة الإجابة، فإن المستقبل مفتوح على كل الاحتمالات، بما في ذلك إمكانية التوصل إلى حل سياسي أو مرحلة جديدة من الصراع بطرق ووسائل مختلفة.