١- كان يدفع دخان سيجارته بغضب وهو يوجهه الى النافذة العالية في زنزانته ..ثم يطوف بين جدرانها وهو يردد كلمات يفهم منها (الحزن والغضب)..لم يحاول أن ينام تلك الليلة..( ليلة إغتيال نصر الله)..
٢-اوجلان الذي عاش لبنان وبقاعه ..وفرحه وحزنه وغنجه..وريفه وضيعاته وقراه..وصادف وجوه (شباب لبنان) وشجاعتهم.. وسمع أناشيدهم .. وأكل (زعترهم وصفيحتهم).. وارتوى من زلال (علي النهري).. واستلقى تحت شجرة جوز بعلبكية (بإغفاءة كاملة).. ولم يوقضه الا صوت آذانهم .. عاش هناك.. ولم يشعر بغربة الفرسان..
٣-اوجلان .. الممتلئ صلابة وتماسكا.. راح يذوب.. وينحل ..كقالب ثلج في زقاق قديم..كان يصغي ( لابادة غزة..) بعينين مفتوحتين لقناص جبلي.. ثم يغمضهما بشدة وتحسر.. على مايرى .. عين على غزة ..وعين على لبنان .. فمن أين سيتسلل النعاس اليه .. وقد(شغفها حباً).. حب ٌبنكهة البارود ..
٤-في آخر زيارة لأصدقاء اوجلان في سجنه في(بحر مرمرة)..كانوا يرون غزة المحطمة في عينيه.. (وعمامة )نصر الله الممزقة ..ينشف بها دموعه..وهو يسرح في ذاكرة (الشباب والمقاومة) في جرود لبنان..
وتوقع (صديقه القديم) أن يفاجأهم اوجلان ب(أمر هام)..(قريباً من الحزن..بعيداً عن المعتاد)..
٥-كان يشطب ..كل موقع سقط من عنف القسوة والموت..شطب على هذه..وكرر على تلك..من ليبيا الى غزة مروراً بلبنان..ثم راح يثقب خارطته المحفورة على الارض بجمرة سيجارته المتصلة طوال الليل..
كان القصف على غزة يمزق أحشائه..وكان القصف على (نصر الله) يهشم عقله ويقطع أعصابه .. وكانت (ليال غزة وبيروت) .. تتساقط أكواماً من الحجر والانقاض على (ساكن السجن) البعيد القريب..
٦-لم يكن قرار اليأس.. ولكن كان قرار (القلب) الذي (أرهقه ) الفراق..والعقل الذي (أرَّقته) القسوة.. والسياسي الذي ( أقلقه) التآمر.. ونوع الموت الجديد الذي (لايستثني) شيئاً.. موت بعيد عن الفروسية والبطولة والشرف.. كان الموت هذه المرة (اصطناعياً) ..وقد دفن (أخلاق) الكون بأطنان الموت الوخيم..
٧-لم تنم ذاكرة اوجلان من يوم (غزة ونصر الله)..ومجزرة المشافي .. وغزوة (الغدر) بخناجر البيجر.. التي حزت رقاباً بيضاء .. كان يدقق بالاخبار التي تأتيه ب(شوق وقلق) يتصارعان على حلبة عقله ومساحة قلبه .. فاذا غلب الشوق تراقص في زنزانته كعصفور طليق.. واذا انتصر القلق خمد مسجىً بلا همس..ولا كتابة على جدران الزنزانة..
٨-آخر الاحزان كانت بالنسبة اليه..(سقوط الاسد).. وانتصار (تركيا) ..تحسس عنقه تلك الليلة مرات ومرات.. وهو يتفرس وجوه الزاحفين الى الشام.. وتلذذ بذكرياته الذهبية بين المزة وقاسيون.. ثم استدار ..(لقد انتهى كل شي..لقد انتهى الحلم أيها الرفاق)..أيها الرفاق لم يعد العصر عصرنا.. أحفظوا رقاب أولادكم من سكين أعمى.. إنه الاعصار الذي يختق الجميع.. أيها الرفاق..أيها الجبال.. غزة ونصر الله وسوريا..تكفي لتجعلنا (ننزل من الجبال)..ثم طلب ورقة وقلم..
٩-أسئلة متنوعة تطايرت من كل الجهات ..لتغرق جميعها في بحر مرمرة.. لأن أوجلان (الحكيم) رفض تسلّمها.. خشية ان تكون سامة مرة.. ومرة أخرى لكي يمنح(للشباب) فرصة الاجابة .. لأن للدماء حقوق (الوفاء) .. التي لاتسقط بالتقادم.. ولو شارف أوجلان على الثمانين .. انها متعة سحرية تديم الحب وتزيد القناعة .. التي هي سر الاستمرار..
١٠-عاش جندياً.. ولم يكن (أسيراً) في معسكر العدو..وعاش الكردية والعربية والتركية بلسان الحب الاممي.. وعاش زاهداً و(معجباً) بأمير الكوفة (أبي تراب)..وهو يردده أغنية في الكهوف والجبال والسجون..
أوجلان ..طاردته دولة ..بعد أن طاردها مرات ومرات.. ولكل جواد كبوة .. ولو للكبوة حسرات ..