×

أخر الأخبار

ولاية الفقيه: أساس النظام الديني الإجتماعي الشيعي

  • 27-05-2020, 16:37
  • 380 مشاهدة
  • د. علي المؤمن

في مقال سابق أوضحنا بالأدلة بأن ولاية الفقيه هو مبدأ و أصل و أساس، وليست اطروحة أو نظرية أو فكرة جاء بها شخص محدد أو عالم معين او فقيه بعينه؛ بل هي القاعدة الحصرية التي يقف عليها كيان المرجعية الدينية الشيعية والحوزة العلمية والنظام الديني الشيعي برمته، منذ نشوئه في عصر غيبة الإمام المهدي قبل 1200 عام تقريباً وحتى الآن، وبدون ولاية الفقيه لا يبقى أي أصل شرعي لمرجع وفتوى وفقيه وحوزة وتقليد واجتهاد. وبيّنا بأن جميع علماء الشيعة دون أي استثناء يقولون بولاية الفقيه، سواء الماضين أو الأحياء. و لذلك؛ لا بد من التأكيد على أن مصطلح المرجعية الدينية متأخر؛ وإن كانت منظومتها متقدمة، وقد تأسست على مبدإ ولاية الفقيه حصراً، أي أن المبنى الفقهي التشريعي للمرجعية الدينية هو مبدأ ولاية الفقيه، ولولا هذا المبدإ لما وجدت المرجعية الدينية الشيعية وكيانيتها وصلاحياتها.
وسنعرض هنا أهم مباني ولاية الفقيه وتطور موضوعاتها وتطبيقاتها، بمنهجية وصفية تحليلية، دون التحقيق في سند الروايات ذات العلاقة، ودلالاتها، واستنباط مخرجاتها وأحكامها؛ فهذه ليست مهمتي كباحث؛ بل مهمة الفقهاء حصراً. لذلك؛ أحيل القارىء على المدونات الفقهية الإستدلالية للفقهاء الشيعة، و التي سأذكر عناوين بعضها؛ للتعرف على استدلالاتهم التي تقود الى ولاية الفقيه ومساحات صلاحياته.
خلال عصر الأئمة الإثني عشر، كان النظام الديني الإجتماعي الشيعي متجسّداً في نظام الإمامة الذي يقف الإمام على رأسه. وفي عصر غيبة الإمام، دخلت مدرسة الإمامة مرحلة جديدة، تتطلب تحديد شكل ومضمون النظام الشيعي و صاحب الحق الشرعي في قيادتة. حينها لجأ المحدثون والفقهاء الشيعة الى أحاديث الأئمة التي أناطت هذا الموقع بالفقهاء أو العلماء أو رواة الحديث، وهي تسميات لمعنى واحد.
و من أبرز الأحاديث التي استدل بها فقهاء الشيعة في هذا المجال أحاديث: ((العلماء حكّام على الناس))، (( العلماء ورثة الأنبياء))، ((العلماء أمناء الرسل))، وما يماثلها في التعبير، وأغلبها مروية عن الرسول الأعظم و الإمام علي، وأحاديث الإمام جعفر الصادق، ومنها المروية المعروف بمقبولة عمر بن حنظلة: «من كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكماً، فإني قد جعلته عليكم حاكماً»، و حديث الإمام الحسن العسكري: «وأما من كان من الفقهاء صائنا لهواه مطيعاً لأمر مولاه فللعوام أن يقلدوه»، وكذا التوقيع الصادر عن الإمام المهدي: «وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله». فضلاً عن أحاديث داعمة أخرى، و هي في مجملها تدل على صلاحية الولاية الدينية و الإدارة الإجتماعية الشاملة للفقيه كحد أدنى.
و بصرف النظر عن الآراء بشأن سندية هذه الأحاديث ودلالاتها؛ فإن الفقهاء يجمعون على أن الدلالات الجوهرية لهذه الأحاديث تحدد أربعة وظائف أو صلاحيات حصرية للفقيه، وكل واحدة منها يمثل ولاية فرعية من ولاية الفقيه:
1- وظيفة فقهية تتمثل في الإفتاء
2- وظيفة تحكيمية تتمثل في القضاء
3- وظيفة مالية تتعلق بشؤون الحقوق الشرعية
4- وظيفة حسبية تتعلق بإدارة المجتمع الشيعي.
ولا يزال الفقهاء مختلفون على وظيفة واحدة فقط، هي الوظيفة الخامسة المتمثلة في صلاحية الحكم أو القيادة السياسية؛ فمنهم من يرى أن أحاديث الأئمة ومقاصد الشريعة و نظام الإسلامي تدل بمجملها على حتمية هذه الوظيفة وبديهيتها، ومنهم من يرى أن الأحاديث لا تدل على هذه الوظيفة. أما الوظائف الأربعة الأخرى المذكورة المترشحة عن ولاية الفقيه فلا خلاف عليها. أي أن الخلاف بين الفقهاء ينحصر في مساحات ولاية الفقيه توسعةً وتضييقاً، أما الولاية نفسها؛ فيعدّون مبدأها جزءاً من عقائد الإمامية البديهية المجمع عليها، والتي لا تحتاج الى عناء في الإستدلال عليها كما يقولون.
لقد كانت هذه المخرجات كافية لفقهاء الشيعة ومحدثوهم وزعمائهم ليؤسسوا للنظام الديني الإجتماعي الشيعي الذي يترأسه الفقيه، ويحافظوا على وحدة النسيج الاجتماعي والسياسي لأتباع أهل البيت، و وحدة كيان مدرسة الإمامة و وحدة قيادتها، وما يترتب على ذلك من ترابط وثيق بين القاعدة والقيادة التي تجسدت في «ولاية الفقيه» أو «المرجعية الدينية»، وقد كان هذا النظام نوعاً من الحكومة أو الدولة ناقصة السيادة، وبه كان يتلخص الفقه السياسي لمدرسة الإمامة حينها. ولم تكن الأحكام الخاصة بهذا الكيان مصنّفة في باب فقهي مستقل؛ لعدم شعور الفقهاء الشيعة بالحاجة إلى ذلك، أو للحيلولة دون تأليب الحكام الطائفيين عليهم. واستمر هذا الحال قروناً طويلة، كان فيها الفقهاء يقفون على رأس النظام الديني الإجتماعي الشيعي الشيعي؛ بما يشكّل مزيجاً من القيادة الدينية والإدارة الاجتماعية.
وفضلاً عن الأحاديث المذكورة الخاصة المروية عن أئمة آل البيت؛ فإن مبدأ ولاية الفقيه أو مرجعية الفقيه استند الى قاعدة عامة عنوانها: ((نيابة الفقيه للإمام المعصوم)) في عصر غيبته، وهي نيابة عامة، أعقبت النيابة الخاصة التي اختص بها السفراء الأربعة للإمام المهدي خلال مرحلة الغيبة الصغرى. أي أن الفقيه يستمد صلاحيته الدينية من كونه وريثاً أو امتداداً موضوعياً للإمام المعصوم. وقد بحث المحدثون والفقهاء هذا الموضوع في كتب الحديث والفقه منذ عصر الشيخ المفيد ( أشار اليها في كتابه المقنعة) قبل 1100 عام وحتى الآن.
و قد تبلور مفهوم ولاية الفقيه النائب عن الإمام المهدي بمرور الزمن، بعد أن أخذ نصيبه من التأصيل. إلّا أن البحوث الفقهية الإستدلالية للشيخ محمد بن مكي الجزيني العاملي المعروف بالشهيد الأول (ت سنة 786)، كانت علامة فارقة في هذا المجال، ولا سيما كتابه «اللمعة الدمشقية»، حتى أن بعض الفقهاء المعاصرين يعدّه أول من طبّق هذا المبدأ بصورته الشاملة. يقول الشيخ عبد الهادي الفضلي في معرض تحليله لأسباب إعدام الشيخ العاملي: «أما الإدانة – حقيقة – فكانت لأنه كان يقول بمبدإ ولاية الفقيه، وكوّن له تحت مظلتها مرجعية كبيرة في ربوع الشام… وبدفع قوي من هذه المرجعية تحرك في ربوع الشام لتجميع فلول الشيعة، وجمع أمرهم، وإقامة سلطة سياسية شرعية لهم، فجبى الأموال وأعدّ الرجال، واتصل بحكومات الشيعة في وقته سراً وعلانية».
ثم جاء الشيخ علي الكركي العاملي ( ت 940 ه) ليكمل صياغة مفهوم «نيابة الإمام» ويضعه إطاراً وركيزة أساسية للفقه السياسي لمدرسة الإمامة في عصر الغيبة، ويحوّله إلى واقع عملي، حيث «سار الشيخ الكركي في مرجعيته العامة وزعامته للطائفة؛ سيرة الشهيد الأول؛ فقد كان يقول بولاية الفقيه، وأدار في هديها وبحكم نيابته عن الإمام المهدي(ع)، شؤون الدولة الصفوية. وكان شاهات الدولة الصفوية عموماً يظهرون ولاءهم للولي الفقيه، ويعتبرون أن الملك له في الأساس، وهم مفوّضون عنه».
ونشير هنا إلى وثيقة كتبها الشيخ جعفر الجناجي النجفي المعروف بكاشف الغطاء (ت 1228م)، وتعد من وثائق التحوّل الذي شهده تطبيق مبدإ «ولاية الفقيه». هذه الوثيقة عبارة عن تفويض منحه الشيخ جعفر كاشف الغطاء إلى السلطان فتح علي شاه القاجاري، تُمَكِّن الأخير من التصرف في الشأن السياسي العام والخراج والزكاة، جاء فيها: «أذِنتُ للسلطان فتح علي شاه في أخذ ما يتوقف عليه تدبير العساكر والجنود، ورد أهل الكفر والطغيان والجحود، من خراج أرض مفتوحة بغلبة الإسلام، وما يجري مجراها، وزكاة». ثم يوصي الشاه بتنفيذ عدد من القضايا ذات العلاقة بالجوانب السياسية والمالية والدعوية.
وقد ظهر في النصف الأول من القرن الثالث عشر الهجري (التاسع عشر الميلادي)، عدد من البحوث الفقهية التي ركزت مبدأ نيابة الفقيه العادل الجامع لشروط التقليد للإمام المهدي، وتحدثت عن صلاحيات الفقيه وحدودها ومساحات ولايته وأنواعها، وهي عموماً بحوث أدخلت الفقه السياسي الشيعي مرحلة جديدة، وأهمها:
1 – «ولاية الحاكم الشرعي» للشيخ أحمد النراقي (ت1245هـ)، و هو عبارة عن فصل من كتاب «عوائد الأيام»، ويعد باكورة البحوث الفقهية الاستدلالية الجامعة التي أكدت اختصاص الفقيه (الجامع للشرائط) بولاية الحكم والإفتاء والقضاء وإقامة الحدود والتصرف في الأموال الشرعية وشؤون القاصرين، بمساحة الولاية نفسها التي كانت للنبي والأئمة؛ إلا أن يقوم دليل شرعي على الاستثناء. ورغم أن الشيخ النراقي لم يصرح بولاية الفقيه على الحكم واختصاصه برئاسة الدولة الإسلامية، بالنظر لما يبدو من ابتعاد هذا الموضوع عن الواقع، وكأنه من أشد الموضوعات افتراضاً آنذاك، إلا أن منهجية البحث واستدلالاته واستنتاجاته تشير بمجموعها إلى رأي الشيخ النراقي باشتمال ولاية الفقيه على شؤون الدولة والحكم أيضاً وعدم اقتصارها على الفروع الأربعة.
2 – «الولايات والسياسات» للشيخ مير فتاح حسين المراغي (ت 1250هـ)، وهو ثلاثة بحوث مستقلة من كتاب «العناوين» الفقهي الاستدلالي، درس المؤلف في أحدها موضوع ولاية الفقيه، وأثبت فيه الولاية العامة للحاكم الشرعي (الفقيه). وبالرغم من أهمية كتاب «العناوين» في الإستدلال على موضوعات ولاية الفقيه؛ إلًا أنها لم تحظ بالاهتمام. وقد وصفه بعض الفقهاء المعاصرين بــ «الدقة والعمق العجيب».
3 – «الجهاد» و«المكاسب المحرمة» للشيخ محمد حسن النجفي المعروف بالجواهري (ت 1266هـ)، وهي بحوث من كتاب «جواهر الكلام». وقد تطرق في باب «المكاسب المحرمة» إلى موضوع شرعية ولاية الحكم والقضاء، بالنسبة للحاكم العادل، وأحكام الأراضي الخراجية. كما بحث في باب «نفوذ تصرفات الأولياء» بعض شؤون ولاية الحاكم الشرعي (الفقيه).
4 – «مناصب الفقيه» للشيخ مرتضى الأنصاري (ت1281هـ)، وهي مجموعة بحوث متفرقة من كتاب «المكاسب» الفقهي الاستدلالي. وقد وردت معظم بحوث ولاية الفقيه في قسم البيع منه. واستدل فيه على أن الولاية على الأنفس والأموال هي من اختصاص الفقيه الجامع لشَرطي الأعلمية والعدالة وغيرهما، وأن ولايته تشمل أيضاً الولاية على الحكومة والعمل على إقامتها، والقضاء، وإقامة الحدود، والفتوى.
وسار الفقهاء الذين برزوا بعد الشيخ الأنصاري على منهجه الفقهي، ومبناه الاجتهادي في هذا المجال، ومنهم السيد محمد بحر العلوم (ت 1326 ه) في باب «الولايات» من كتاب «بُلغة الفقيه».
بيد أن ظهور الآراء الفقهية للإمام الخميني (ت 1989م)، شكّل البداية الحقيقية للنهضة المنهجية في بحوث ولاية الفقيه؛ فكانت المرة الأولى في تاريخ النظام الديني الأجتماعي الشيعي التي يؤسس فيها أحد الفقهاء لأطروحة فقهية متكاملة في شمول ولاية الفقيه على وظيفة الحكم، ويدعو صراحة إلى تطبيقها. وقد اعتمد الإمام الخميني كتاب «المكاسب» للشيخ الأنصاري؛ ليكون محور دروسه الفقهية التي يلقيها على طلبة البحث الخارج في النجف الأشرف. وقد طرح في قسم المكاسب المحرمة موضوعات «معونة الظالم» و«حرمة الولاية من قبل الجائر» و«جوائز السلطان» و«الخراج ومقاسمة السلطان الجائر» و«أداء الزكاة إلى السلطان الجائر»، كما طرح في قسم البيع موضوع «ولاية الفقيه»، وعدّها الإمام الخميني فكرة علمية واضحة لا تحتاج إلى برهان، بمعنى أنها بديهية لمن يفهم عقائد الإسلام و منظومة أحكامه الشاملة.
ويستعرض الإمام الخميني عدداً من أهم الأحاديث والروايات للدلالة على شمول ولاية الفقيه على وظيفة الحكم، كأحاديث الرسول الأعظم: «اللهم ارحم خلفائي.. الذين يأتون من بعدي، يروون حديثي وسنتي، فيعلّمونها الناس»، و«الفقهاء أمناء الرسل»، و«العلماء ورثة الأنبياء»، و«العلماء حكام على الناس»، وحديث الإمام موسى الكاظم: «الفقهاء حصون الإسلام كحصن سور المدينة لها…» وحديث الإمام الصادق: «من كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا.. فليرضوا به حكماً فإني قد جعلته عليكم حاكماً».
و رافقت ثورة الإمام الخميني ودولته بعد العام 1979؛ نهضةً بحثية علمية متفردة في موضوعات ولاية الفقيه خاصة، والفقه السياسي الشيعي عامة، حتى أن المؤلفات والدراسات الفقهية في هذا المجال بلغت أرقاماً قياسية كمّاً ونوعاً؛ فمجموع ما صدر خلال العقود الأربعة الاخيرة كان أكثر بكثير مما كتب خلال ألف عام سبقتها. ومن أهم ما صدر في هذه المرحلة:
1 – «الإسلام يقود الحياة» للسيد الشهيد محمد باقر الصدر، وهو ست دراسات في فقه الدولة الإسلامية ونظامها السياسي وفكرها الاجتماعي والاقتصادي، صدرت في أوائل عام 1979م. وهي دراسات رائدة كانت ذات تأثير في الأوساط الفقهية والقانونية في الجمهورية الإسلامية.
2 -«دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلامية» للشيخ حسين علي المنتظري، وهي موسوعة فقهية استدلالية في أربعة أجزاء، وتتميز بشموليتها لكل موضوعات الدولة الإسلامية الحديثة ونظمها.
3- «الفقه السياسي» للشيخ عباس علي عميد الزنجاني، وهي موسوعة رائدة في موضوعاتها ومنهجها، وتقع في تسعة مجلدات.
4- «الإجتهاد والتقليد والإحتياط» للسيد علي السيستاني، وهي تقريرات بحثه الخارج، وفيها يستدل على ثبوت الولاية للفقيه، و تحديداً فروع الفتوى والقضاء والحسبة (سنفصل رأي السيد السيستاني في موضوعات ولاية الفقيه في مقال قادم).
وقد أخذ مبدأ ولاية الفقيه حقه من التنظير الاستدلالي المعمق، في معظم تفاصيله. ولعل أكثر الموضوعات المهمة ذات الصلة بمساحات ولاية الفقيه، و التي شغلت الباحثين المتخصصين؛ موضوع و لاية الحسبة و ولاية الحكم والفرق بينهما.
إن ولاية الحسبة و ولاية الحكم فرعان أو وظيفتان من فروع ولاية الفقيه؛ أي أنهما جزء من ولاية الفقيه التي تشمل ــــ كما ذكرنا ـــــ في حدها الأدنى: الفتوى والقضاء والأموال الشرعية والحسبة، وفي حدها الأعلى الولاية على الحكم و القيادة السياسية. أما الأمور الحسبية فهي الأمور العامة لنظام المجتمع، والتي يتسبب تركها في تعرض مصالح المجتمع الى الخطر؛ كالأوقاف العامة، والقصّر والأيتام، والتحكيم بين الناس وفض النزاعات، وحفظ أرواح الناس وأموالهم وأعراضهم، وأية مهمة تقصّر الدولة في أدائها؛ كالدفاع عن المجتمع اذا تعرض للأخطار، وإدارة شؤونه، والتكافل الاجتماعي وغيرها. وبالتالي هي دفع المفاسد عن المجتمع وجلب المصالح له، و هي من صلاحيات الفقيه المعبّر عنها بولاية الحسبة. وهناك من الفقهاء من يوسع الحسبة وهناك من يضيقها. بينما تتلخص ولاية الحكم أو الولاية العامة في أنها القيادة السياسية التي يتوالاها الفقيه المتصدي، وجزء منها الولاية على الحكم فيما لو تم تأسيس دولة إسلامية. وهناك من الفقهاء أيضاً من يوسع في صلاحيات الولاية العامة وهناك من يضيّقها.
ومن الموضوعات التي يتطرق اليها الفقهاء أيضاً في تفاصيل ولاية الفقيه؛ موضوع علاقة الفتوى بالحكم الشرعي والفرق بينهما. “الفتوى” كاشفة عن التشريع العام الفقهي، أي: مبيِّنة للحلال والحرام الواردين في الشريعة، ولا سيما في الأحكام الإبتدائية المرتبطة بالموضوعات الفردية؛ كعموم العبادات والعقود والإيقاعات والأحكام، وهي مرتبطة بتقليد المكلف لمرجعه الديني. أما “الحكم” فهو أما كاشف أحياناً كرؤية الهلال، وإما إنشاءٌ لحكم جديد في القضايا العامة وفق رؤية الفقيه للمصلحة العليا للمجتمع، ويقع تحت عنوان الأحكام الثانوية العامة و الأحكام الولائية المناطة بالمرجع الديني المتصدي؛ بالإستناد الى ولاية الفقيه على الحسبة والنظام العام، أو المناطة بالفقيه الحاكم بالاستناد الى ولاية الفقيه على الحكم. ولذلك فإن الحكم الشرعي أعم من الفتوى في شموله لغير مقلدي الفقيه، و يسري على الفقهاء أيضاً.