×

أخر الأخبار

جودت القزويني العلامة المتألم

  • 1-05-2020, 15:11
  • 482 مشاهدة
  • فيصل الكاظمي

( العلامة القزويني جالس على انقاض بيته ) ، أعادت الي صورا من ٱلام كنت أقرأها في وجه العلامة الراحل الدكتور السيد جودت القزويني في حرب تموز 2006 ببيروت .
   ففي صبيحة الاربعاء 12/7/2006 وأنا أسير من بيتي بالضاحية الجنوبية ، متجه الى بيت الدكتور القزويني وديوانه الثقافي ، حيث صار موعدا اسبوعيا يحضره القس العراقي الأب سهيل قاشا الموصلي وٱخرون . ونقلت لهما مظاهر الفرح التي لم أعرف سببها التي وجدتها في الشارع ، فقال لي الدكتور :" الم تعلم ان حزب الله قد أسر جنودا إسرائيليين ؟! ثم أردف قائلا : ان اسرائيل ستضرب الضاحية ، وانا لن ابقى بها ، وسأخرج أنا وعائلتي الى بعلبك لأكون عند الاخ الحاج ابي ستار غناوي " !! ،( صورة اولى ؛ قلق وترقب) .
    فذهلت مما سمعت وصدق ما قال رحمه الله فكنا كأيادي سبأ تفرقا وتمزقا ، تركنا بيوتنا وما فيها ، والسعيد من كان له مكان بعيد عن الضاحية يلجأ اليه وأهله !!! .
    وكان ملجأي في الحرب التي استمرت 33 يوما منطقة بعلشميه/ بحمدون ، في بيت احد الاصدقاء العمانيين النبلاء ، وقد جاء الرجل مصطافا مع أهله وحدث ما لم يكن في الحسبان ، واتصل بي يسألني ان أبقى بشقته خشية تعرضها للاستحواذ من مجهولين ، وفي زمن الحرب ليس هناك امر غير متوقع ، فشكرته لأنه انقذني وعائلتي وقد كنت في حيرة من أمري وأمرهم  لا أدري الى اين اتجه .
     وبعد اسبوع اتصلت بالدكتور القزويني لأسال اين حل به النوى؟ ولما علم بمكاني جاءني زائرا ، ولكن يا لهول الحالة التي وجدته عليها؛  يؤنب نفسه ، ويندب حظه ، ويسب سعده ، ويكاد يمزق نفسه ؛ ألما وندما ، وحسرة وبرما ،شارد الذهن ، جاحظ العينين . مصفر الوجه ، وهو يقول : " يا شيخنا اتعلم ما تركت خلفي في بيتي ؟ تركت جنى السنين وحصيلة العمر وخميرة الحياة ، تراجم لرجال عظام بخط ايديهم ؛ الوائلي وجواد شبر وعبد الزهراء الحسيني ، الجواهري وجمال الدين و و و .
    لماذا لم اضع اوراقي في حقيبة واسلمها للأب سهيل وهو يسكن ديرا في كنيسة واسرائيل لن تضربها , لماذا ولماذا " ، وهو لايستقر بمكان من حزنه ، ولايهدأ على حال من وجده . ( الصورة الثانية : ندم وقلق ) .
      ثم أنه رحمه الله  ترك بعلبك لان القصف نالها كذلك  ، فلم يجد بدا من ان يغادر وعائلته الى لندن ونار الحرب لما تزل مستعرة .
 وبعد ان وضعت الحرب أوزارها ، عدنا الى الضاحية فوجدناها اكواما من حجارة وأكداسا من تراب ، هنا كانت بناية وهناك كان متجر .
    وعاد الراحل القزويني في أوائل من عاد ، وقلبه معلق بأبحاثه وروحه مشدودة الى أوراقه ، فصدم حينما رأى البناية التي كان يسكنها ركاما ، وما فيها من متاع وأثاث حطاما ، وراح يبحث بيديه العاريتين وعينيه المتعبتين ، لعله يجد ورقة او يحظى بقصاصة ، وهو يصيح بسائق ماكنة رفع الانقاض : رفقا بأوراقي وصبرا لعلي أجد شيئا من ثمرات أيامي !
   وكنت أراه من الصبح حتى الليل واقفا على اطلال بيته ، ربما اعتمر قبعة ليتقي حر الهجير ، وعنده قارورة ماء عجزت ان تطفيء شيئا من حريق قلبه ، او تبرد جانبا من جوى روحه . ( الصورة الثالثة :  حزن وحسرة) .
   ثم علم ان اوراقه انتقلت وكتبه الى مكان مقابل سكنه بفعل عصف القصف ، فالتفت الي وقال : شيخي انا واقف ولم اعلم ان مكتبتي تمر أمام عيني في الشاحنات التي تنقل الانقاض من البناية المقابلة .             ثم بذل جهودا جبارة حتى حصل على استثناء يسمح له بنبش اكوام حجارة تلك البناية في مكب هائل ترك لذلك في طريق المطار .
     ورغم كل ما حدث فقد استطاع ان يجمع اوراقه من هنا وهناك وبادر بطبع ما كان يجمعه طوال عقود ، خشية ان تأتيه نائبة او تباغته جائحة ، فتجهز على ما أبقته الحرب الظالمة عليه من حصاد عمره ونتاج قلمه .( الصورة الرابعة : اصرار وعطاء) .
الى روح فقيد العلم والبحث والمعرفة العلامة الدكتور السيد جودت القزويني الفاتحة .