×

أخر الأخبار

الفيلسوف الفرنسي روجيه غارودي من الماركسية إلى الإسلام

  • 15-12-2022, 12:16
  • 566 مشاهدة
  • د. صلاح عبد الرزاق

ضمن أطروحتي للدكتوراه في جامعة لايدن بهولندا (١٩٩٨-٢٠٠٢) كان التركيز على المفكرين الغربيين الذي اعتنقوا الإسلام وكان روجيه غارودي أحدهم بل وأشهرهم في الساحة الأوربية والإسلامية.

يُعد الفيلسوف الفرنسي روجيه غارودي (1913- 2012 ) من أشهر المفكرين الأوربيين الذين اعتنقوا الإسلام في القرن العشرين. وكان قد سبقه إلى الإسلام مفكرون وفلاسفة ومثقفون أمثال النمساوي محمد أسد (ليوبولد فايس) (1900-1992) والفرنسي رينيه غينون (1886-1951) (١) والسويسري تيتوس بركهارت (1907-1974) (٢) وأسماء لامعة كثيرة.
 ويعتبر غارودي أكثرهم ضجة بسبب مواقفه الحادة والصريحة تجاه بعض الأحداث والقضايا والدول والحكومات. فكتاباته ومواقفه جرته إلى نزاعات مع أطراف عديدة كاليهود والإسرائيليين وأمريكا وفرنسا والمملكة العربية السعودية. وقد حوكم من قبل القضاء الفرنسي عام 1998 بسبب كتابه (الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية).

النشأة والسيرة
 ولد روجيه غارودي  Roger Garaudy في 15 تموز 1913 في مرسيليا لأسرة كاثوليكية لكنه اعتنق المذهب البروتستناتي. في شبابه التحق بالحزب الشيوعي الفرنسي لأن الشيوعية كانت برأيه (الاختيار الوحيد الذي يطرح بديلاً للخروج من أزمة الرأسمالية. كما كانت أفضل جبهة تقاوم هتلر والنازية في تلك الفترة. وفي فرنسا –على سبيل المثال- كان معظم المشتغلين بالكتابة والفنون من أساتذة الجامعات وحائزي جائزة نوبل: إما أعضاء في الحزب الشيوعي أو أصدقاء للشيوعيين، وذلك بسبب الحالة السيئة التي نشأت عن أزمة الرأسمالية وتيار المقاومة النازية لهتلر).
أصبح غارودي عضوا في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الفرنسي لمدة عشرين عاماً ، وعضو المكتب السياسي لمدة 12 عاماً. فصل من الحزب بسبب انتقاده لموقف الحزب الشيوعي الفرنسي وسكوته تجاه الغزو السوفياتي لجيكوسلوفاكيا عام 1968 . كان غارودي نائباً في البرلمان الفرنسي لعقدين من الزمن وترشح عام 1981 في انتخابات رئاسة الجمهورية في فرنسا.
آمن غارودي أن الفلسفة يجب أن لا تبقى تدور في مدارات تنظيرية بحتة أو مناقشات عقيمة بل يجب أن تنزل إلى الشارع لخدمة الإنسان والإنسانية. تلك الرؤية جعلت غارودي ينتقل من أيديولوجية إلى أخرى بحثاً عن فلسفة قادرة على تلبية حاجات المجتمع البشري وحل مشاكله، فانتقل من المسيحية إلى الماركسية ثم إلى الإسلام. اعتقد غارودي أنه يمكن الجمع بين المسيحية والماركسية ولكن في غياب مذهب اجتماعي مسيحي معتبر وسياسة مسيحية تسمح بالنضال ضد الفوضى، أخذ يبحث عنه في الماركسية حيث وجد فيها منهجية لمبادرة تاريخية من أجل مشروع قادر على التغلب على التناقضات القاتلة للنظام الرأسمالي المنافس. ولم يقف إيمانه بالماركسية من مناصرة تيار اللاهوت الثوري في أمريكا الجنوبية في الستينات والسبعينات والاعجاب به. كما تكشف له أن الاتحاد السوفياتي ليس هو الاشتراكية، ولاستخدامه الغزو أسلوباً لمعالجة الأزمات السياسية ليس هو الحل (غزو براغ 1956 وغزو جيكوسلوفاكيا 1968 و أفغانستان 1979 ).  وفي عام 1974 حوّل الحوار المسيحي-الماركسي الذي رأى أنه أصبح إقليمياً إلى حوار حضارات تساهم فيه الديانات الثلاث والثقافات غير الغربية.

لقاء غارودي بالاسلام
التقى غارودي بالاسلام عندما اعتقل عام 1940 من قبل حكومة فيشي الفرنسية، التي عينها هتلر بعد احتلال فرنسا، بسبب مواقفه المناهضة للنازية. ثم أرسل إلى معسكر للاعتقال في الجزائر مع مجموعة من المعتقلين السياسيين. في المعسكر قاد تمرداً مما جعل القائد الفرنسي يصدر أوامره بإعدامه رمياً بالرصاص. وكانت المفاجأة عندما رفض الجنود الجزائريون الملتحقون بالجيش الفرنسي تنفيذ الأمر. لم يعرف غارودي سبب امتناع الجنود عن إطلاق النار عليه لكن علم فيما بعد أنهم من قبيلة (العبادات) حيث يعتبر إطلاق النار على رجل أعزل أمراً معيباً ولا يناسب الرجولة والشجاعة. بعد إطلاق سراحه بعد اعتقال دام 33 شهراً، بقي في الجزائر حيث رأس تحرير صحيفة يومية. والتقى بقيادات التيار الإسلامي في الجزائر أمثال الشيخ محمد بشير الإبراهيمي وتعرف منه على جهاد عبد القادر الجزائري وكتابات بن باديس الإصلاحية.
أعجب غاردوي بالإسلام كدين وفلسفة ونظام اجتماعي، كما وجد فيه نوعاً من الحوار المركب الذي كان مشغولاً به طوال 30 عاماً. آمن غارودي بأن الاسلام يمثل نموذجاً لتركيب أو توليف الحضارات السابقة مما جعله يكتب (وعود الإسلام) و(مساهمة الإسلام والعرب في الحضارة البشرية) قبل أن يعتنق الإسلام بسنين. ثم كتب العديد من المؤلفات التي تعرض الإسلام كأفضل حل للأزمة الإنسانية التي يعيشها المجتمع البشرية في الأنظمة السياسية والنظريات والفلسفات الوضعية .
 اعتنق الإسلام عام 1982 في أوج الصحوة الإسلامية وانتصار الثورة الإسلامية عام 1979 في إيران، وأعجب بها. اهتم العالم العربي والمسلمون باعتناقه لأنه ليس شخصية عادية ، واعتبروا دخوله الإسلام نصراً للإسلام وهزيمة للمسيحية والحضارة الغربية معاً. واحتفت به المؤسسات الدينية في العالم الإسلامي والدوائر الإسلامية المثقفة حيث صار يُدعى لحضور المؤتمرات والندوات الدولية التي تناقش قضايا إسلامية.
اتخذ موقفاً مناوئاً للوجود الأمريكي في السعودية إبان غزو الكويت 1990 مما جعل الاعلام السعودي يشن عليه هجمات متواصلة مشككاً بإسلامه وعقائده مع العلم أنه قبل ذلك بفترة وجيزة منح الملك فهد جائزة الملك فيصل العالمية لجهوده وخدماته للإسلام.  
حاول معمر القذافي استمالته في مشروع لنشر الإسلام في أوروبا. وتهجم بعض العلماء السعوديين عليه وتكفيرهم له استناداً لبعض المقولات الفلسفية والصوفية التي لم يستوعبوها حسب قوله. فقاطع المنتديات الإسلامية، وانسحب بتجربته الدينية ومقاربته الخاصة للإسلام إلى مدينة قرطبة الإسبانية التي أنشأ فيها متحفاً يؤرخ للتراث الأندلسي ولتجربة التعايش النادرة بين أتباع الديانات السماوية في الأندلس.

بعد مجازر صبرا وشاتيلا في لبنان أصدر غارودي بيانا احتل الصفحة الثانية عشرة من عدد 17 حزيران ١٩٨٢ من جريدة لوموند الفرنسية بعنوان (معنى العدوان الإسرائيلي بعد مجازر لبنان). وقد وقّع البيان مع غارودي كل من الأب ميشيل لولون والقس ايتان ماتيو.  وكان هذا البيان بداية صدام غارودي مع المنظمات الصهيونية التي شنت حملة ضده في فرنسا والعالم. فتحوّل بعد هذا الموقف من ضيف دائم على المحطات الإذاعية والتلفزيونية وأعمدة الصحف، إلى شخصية قاطعتها الصحف اليومية الفرنسية، فلم تنشر أي موضوع له.

في منزل غارودي
في 14 تموز 2001 قمت بزيارة غارودي الذي يسكن في ضاحية تشينفير  Chennverieres التي تبعد حوالي 20 كم عن باريس، والتي تغفو على نهر صغير تصطف على ضفته بيوت القرية الجميلة. استقبلتني زوجته الفرنسية الثانية (طلق زوجته الأولى عام 1947، وتزوج بعد اعتناقه الإسلام بالفلسطينية سلمى الفاروقي التي تقيم في اسبانيا) مرحبة وهي ترشدني إلى غرفة مكتبه في الطابق العلوي، معتذرة أن غارودي لا يتمكن من النزول لألم في رجله إضافة إلى مرض القلب. وعندما صعدت السلم وجدته يستقبلني مستبشراً . دخلنا غرفة المكتب ذات اللمسات الشرقية من تحف ونحاسيات وسبح وآيات قرآنية وسجادة شرقية ، لكنها لم تفتقد الأناقة الباريسية. وعُلقت على الجدران ميداليات وأوسمة جرى تكريم غارودي بها في مناسبات عديدة. كان يبدو متعباً ومنهكاً رغم الحيوية التي ترافق حركات يديه وملامح وجهه. لذلك قررت عدم الخوض في قضايا شائكة بعد أن وجدت أنه يتحدث الانكليزية بشيء من الصعوبة (أخبرني أنه يستطيع قراءة سبع لغات لكن لا يتكلم سوى الفرنسية وقليل من الانكليزية). استعنت بمرافقي المقيم في باريس الدكتور مصطفى محمود لترجمة الحديث. بدأت الحوار بسؤاله عن ظروف اعتناقه الإسلام ودوافعه:

-هل كنت تؤمن بالمسيحية؟
غارودي: كانت عائلتي ملحدة ثم بدأتُ التحول نحو البروتستانتية من خلال قراءاتي للمصلحين المسيحيين. وآنذاك كان يبدو المسيح لي بأنه نبي لا أكثر. وبرأيي أنه لم يأت بديانة جديدة بل لتعليم الإنسان كيف يكون كاملاً. وقد أحيا النبي محمد (ص) رسالة عيسى وعلمنا (ص) كيف نعيش الحياة. وعندما أدركت أن الإسلام استمرار لرسالة عيسى أصبحت مسلماً.
- ذكرت في أحد كتبك أنك درست الإسلام لأكثر من عشر سنوات ، أي نوع من الدراسة كانت: فلسفة، فقه أم غير ذلك؟
غارودي: أصدرت أول كراس لي عن الإسلام بعد إطلاق سراحي من المعتقل. بقيت عاماً واحداً في الجزائر بعد أن عينني شارل الجنرال ديغول محرراً ومديراً للإذاعة. كان في الجزائر أستاذ عربي مختص بالفرنسية قام بتدريسي اللغة العربية. أسست في الجزائر جامعة جديدة ودرست فيها الثقافة الإسلامية. عام 1947 كتبت (المساهمة العربية والإسلامية في الحضارة العالمية) ولم أكن مسلماً بعد. عندما التقيت الزعيم جمال عبد الناصر بعد عشر سنوات من صدور الكتاب قال لي: أنا أعرفك لأن كتابك ترجم إلى العربية، ثم أعطاني نسخة من الترجمة العربية.

- في عام 1982 اعتنقت الإسلام.
غارودي: نعم وكتبت بعض كتبي قبل ذلك مثل (وعود الإسلام ) و (الاسلام يسكن المستقبل).
- ما هي الأسباب التي دفعتك لمثل تلك الكتابات ولم تكن مسلماً؟
غارودي: القضية فكرية. لقد كنت متحمساً للصوفيين الكبار أمثال ابن عربي وابن الرومي. لقد كنت مهتماً كثيراً بالصوفية ، وكتبت للإسلام من خلال الصوفية مَثلي مثل الفيلسوف الفرنسي رينيه غينون الذي اعتنق الإسلام وهو من أشهر المفكرين الفرنسيين.
- هل تعني أنك تأثرت بكتابات غينون؟
غارودي: نعم وكذلك كتابات محمد أسد مثل (الطريق إلى مكة). لقد التقيت بمحمد أسد قبل أن اعتناقي الإسلام. التقيته في قرطبة. كان قد طلب مني البحث له عن منزل في قرطبة كي يستكمل تأليف تفسيره للقرآن( بالانكليزية) (رسالة القرآن). لقد كانت ترجمة رائعة وأفضل من الفرنسية.
- كيف وجدت محمد أسد في سنواته الأخيرة حتى توفي عام 1992؟
غارودي: كان قليل الكلام، وكنا نتحادث فقط في الأمور الثقافية.
نهض غارودي من مقعده وقدّم لي نسخة من الفصل الأول من مذكراته التي كتبها بالفرنسية (700 صفحة) والتي لم تصدر بعد. يتضمن الفصل الأول سيرة حياته ونشاطاته وظروف اعتناقه الإسلام.
نقد الحضارة الغربية
-اشتهرت بنقدك العميق للحضارة الغربية واعتبرتها آلة مدمرة لمحق مساهمات الحضارات الأخرى في المشروع البشري . كما انتقدت فلسفة جان بول سارتر وجان جاك روسو. وفي كتابك (الإسلام في القرن 21) تعتبر روسو كذاباً وأن (عقده الاجتماعي) كذبة. هل تعتقد ان الفلسفة الغربية قد استنفدت أغراضها وليس لديها ما تعطيه للإنسانية اليوم؟
غارودي: لا ليس إلى ذلك الحد ، ولكنني شرحت العيوب الرئيسية للفلسفة الغربية التي تعترف بنفسها فقط. إلى ما قبل 45 عاماً بدأت وبمبادرة شخصية بدراسة الفلسفات الشرقية في الهند والصين والدين الإسلامي.
- هل تعني أن الغربيين يدرسون ويعترفون بالفلسفة الغربية فقط؟
غارودي: نعم، الفلسفة الغربية فقط. والوضع اليوم نفسه، فما زالوا يرفضون تعلم الفلسفة خارج البيئة الغربية. إنهم يتعلمون فلسفة سبينوزا وديكارت وسقراط وغيرهم.
- تنتقد الغرب لأنه لا يملك أخلاقاً.
غارودي: ليس طوال القرن، ولكنهم اليوم يؤمنون بالفكر الواحد Unique Thought المستلهم من فلسفة ديكارت. إنني ضد فلسفة ديكارت لأنها تمثل مصدر ميكانيكية هذا الفكر. ولذلك أقاتل دائماً أفكار ديكارت.
- الغربيون ينكرون الفلسفات غير الأوربية وهذا ما يجعلهم بعيدين عن الفلاسفة المسلمين؟
غارودي: وهذا ما يؤثر في تكامل العالم في السياسة والاقتصاد والدين.
- هل اطلعت على كتابات الفيلسوف العراقي محمد باقر الصدر؟
غارودي: كنت مهتماً بفلسفة السهروردي والملا صدرا وهما أفضل فلاسفة الإسلام. (يعتبر غارودي نفسه صوفياً).
غارودي والعالم الإسلامي
- هل زرت العراق؟
غارودي: نعم زرت العراق قبل شهرين ، في أيار 2001، وخلال الحرب مع الحلفاء (1991) زرت العراق وقابلت صدام حسين.
- المعروف عنك اعجابك ودعمك للثورة الإسلامية في إيران عام 1979 هل يعود السبب إلى تأييدك السابق للاهوت التحرير المسيحي الذي حارب الرأسمالية والأنظمة الفاسدة في أمريكا اللاتينية؟
غارودي: أنا أيدت الثورة الإيرانية، وكانت صلتي بإيران تعود إلى ما قبل الثورة. فقد طلبت مني فرح ديبا زوجة الشاه السابق تأسيس فرع لمعهدي (حوار الحضارات) في طهران. وطلبت مني جمع خمسين عمل فني يمثل الحضارات البشرية. بقيت ستة أشهر في إيران قبل الثورة. وقد جمعت حوالي أحد عشر عملاً فنياً فقط وبعضها موجود لدي (أراني غارودي ثلاثة أعمال افريقية). بعد انتصار الثورة زرت إيران، في المطار سألني أحد العلماء :أين تفضل الذهاب؟ فقلت له: إلى صحيفة إطلاعات اليومية.
- هل التقيت بالامام الخميني؟
غارودي: نعم قابلته مرة واحدة.
- هل تحدثت معه؟
غارودي: لم يكن هناك حوار، لكنني ما زلت أتذكر مقولته (من يفرق بين السنة والشيعة عدو للسنة والشيعة) وكان محقاً في ذلك. والتقيت بالرئيس خاتمي. هو رجل مثقف ومفكر، وكنت سعيداً بلقائي معه. لقد فاز بالانتخابات الرئاسية وهذا هام جداً من أجل إيران. إن الشعب الإيراني شعب متحضر جداً. لقد زرت إيران عدة مرات قبل الثورة وبعدها. كنت متحمساً لمكانة المرأة في المجتمع. اليوم لدى الإيرانيين إنجاز عظيم ، فلم يمنع الحجاب المرأة من التطور والرقي واحتلال المناصب الراقية. في جامعة بولي تكنيك تجد نصف الأساتذة من النساء في حين لا تجد في فرنسا سوى سبعة نساء في جامعة مماثلة. كما أن بعض النساء يرأسن أقساماً وفروعاً علمية دقيقة.
- متى كانت آخر زيارة لك إلى إيران؟
غارودي: قبل ستة أشهر للمشاركة في مؤتمر في مدينة قم المقدسة.

- هل أغضبت المملكة العربية السعودية مما ادى إلى تغير موقفها منك؟
غارودي: نعم ، ولكن ليس كل السعوديين بل الملك فهد فقط لأنه كان ضد العراق ودعا القوات الأمريكية للقدوم إلى المملكة. وقد وصفت تصرفه بالعهر السياسي. وكان ذلك بالرغم من أنني تسلمت جائزة الملك فيصل منه. والواقع أن هناك مواقف مختلفة داخل العائلة المالكة. فعندما زار الأمير طلال باريس طلب رؤيتي، وقال لي بأنهم انتقدوا الهجمات الإعلامية التي شككت بإسلامي في الصحف السعودية. وأخبرني بأن ولي العهد الأمير عبدالله يؤيد هذا الرأي . وهكذا تجد من يدافع عني داخل العائلة المالكة.
- هل كان انتقادك للسعودية بسبب هذه القضية أم بسبب وضع النظام السياسي السعودي؟
غارودي: لا يوجد في السعودية نظام سياسي، فهم يخلطون القبيلة بالدولة، لا توجد هناك دولة.
- وما رأيك بالسودان؟
غارودي: زرت السودان عندما كان الدكتور حسن الترابي (1932-2016) (٣) في السلطة، وهو اليوم في السجن. يوجد تقدم كبير في السودان . إنهم يعملون من أجل وحدة السودان ولكن للأسف تقوم الولايات المتحدة بدعم الجنرال غرنك لاستمرار الحرب.
- ومارأيك بطالبان (٤) ؟
غارودي: إنها أمريكا!

الدولة الإسلامية والاسلام السياسي
- هل تؤيد بعض المسلمين الأوربيين مثل (حركة المرابطين الأوربيين) (٥) الذين يدعون للعودة إلى الخلافة؟
غارودي: الخلافة ليست لهذا العصر. وهي هامة لتوحيد العالم الإسلامي ، فلماذا تستمر معاناة الفلسطينيين؟ بسبب عدم وجود الوحدة بين العرب أو بين المسلمين.
- هل تعني أنه على المسلمين التوحد أولاً ثم تأسيس الدولة الإسلامية؟
غارودي: ليس الوحدة ولكن على الأقل بالتعاون والتنسيق. بعض الحكام العرب ينفذون السياسة الإسرائيلية منذ البداية.
- هل تعتقد أن الديمقراطية مفيدة للمسلمين؟
غارودي: الديمقراطية  عالم الغربيين فقط. إعلان حقوق الإنسان كذبة لأنه ينص على مساواة الناس أي يتساوى الملياردير والفقير في عقوبة السرقة.
- إذن إي نظام تعتقد هو الأفضل: الشورى؟
غارودي: الشورى مشكلة. برأيي ما يطلقون عليه الشورى ليس بشورى. القرآن الكريم يقول ( شرع لكم من الدين ما وصّى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصّينا به إبراهيم وموسى وعيسى ، أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه) (الشورى: 13). فالشورى موجودة في كل الديانات. فلو قرأت الديانات الإبراهيمية ستجد أن الله هو 1- المالك 2- الآمر 3- العالم . فهذه هي الشورى وما دون ذلك فهو فقه الذي يمثل التشريع الملائم لكل عصر كما فعل أبو حنيفة واالشافعي في تطبيق الشورى في زمانهم (؟)
- إنك تتحدث عن الاجتهاد وليس الشورى ، كما أن فهمك للشورى غريب فهل تعرفهما لي كي أعرف ما تعنيه بكل مصطلح.
غارودي: كلا، إنهما ليسا شيئاً واحداً. الاجتهاد هو تفسير للشورى (؟) ولكن الشورى هي المشاورة حول المبادئ. هناك سبعين قاعدة موجودة في القرآن والكتاب المقدس (؟) ، والفقه هو التكيف مع الزمن. أما الاجتهاد فهو تفسير وتكيف في زمن محدد في بلد معين. فإذا حاولت تطبيق التشريع الفقهي للجزيرة العربية في القرن السابع ، في فرنسا ، فهذا غباء تام. إن ذلك مخالف لتعاليم النبي (ص) الذي يقول بأن القرآن لكل عصر. برأيي: مستقبل الإسلام يكمن في إيجاد تحديث Modernization إسلامي وليس غربي. الحداثة توجد في الشريعة التي تسعى لتطبيقها في كل الأزمنة.
القرآن الكريم والسنة النبوية
قيل الكثير عن آراء غارودي وعقائده وأنها لا تنسجم مع جمهور المسلمين وفقهائهم. وهذا ما يميز الغربيين الذين يعتنقون الإسلام حيث لا يمكن التخلي عن نظراتهم وآرائهم بل وأساليب تحليلهم وفهمهم للأمور بعد اعتناق الإسلام. كما أن خلفيتهم المسيحية والعلمانية الغربية لا تختفي بعد الإسلام، بل تبقى عاملاً مؤثراً. ولا يعني ذلك أنهم لا يعانون من قصور ذاتي في فهم وإدراك الشريعة والعقيدة، بل يعني أنهم يقدمون تصوراتهم على ما يقول به غالبية المسلمين. لذلك يجري اعتبار بعض آرائهم شاذة وغريبة أو ناقصة أو حتى غير إسلامية. في كتابات غارودي لاحظتُ العديد من الشطحات الفكرية والعقائدية ومنها موقفه من السنة النبوية وبعض الأحكام الإسلامية. ويبقى لكل مسلم حقه في الفهم وأسلوب التعبير عن ذلك الفهم.

- في كتاباتك طالما حذرت المسلمين من عدم تقليد (الماضي) و (الغرب). بعض المسلمين ما زالوا يعيشون في الماضي ولا ينظرون إلى المستقبل، كيف يمكن للمسلمين تطوير الفقه؟
غارودي: ذكرت في كتبي أنه من الضروري إيجاد تحديث إسلامي . إن اعلان حقوق الإنسان يخالف التحديث الإسلامي. كان بودي الكتابة في هذا الموضوع. من المهم خلق وحدة في العالم كما هي في القرآن. القرآن يقول ( وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم) (إبراهيم: 4) ولكنهم لا يطبقون ذلك.
- هل درست القرآن بنفسك أم استعنت بتفسير ما؟
غارودي: درست القرآن عبر الترجمات الفرنسية والإنكليزية والإيطالية. قرأته وقارنت بين تلك الترجمات.
- هل ترى أنه من الضروري للباحث أن يتعلم العربية باعتبارها لغة الوحي؟
غارودي: الكتب الأخرى تعتبر أيضاً وحياً ونقرأها بلغات أخرى. فلذلك ليس من الضروري. أنا لا أعرف العبرية ولكنني قرأت التوراة. كما أنني لا أعرف اللغة الهندية ولكنني قرأت كتبهم مثل الفيستا.
- تدعو للأخذ من كل الأديان ومن ضمنها الهندية المشركة .
غارودي: لا أرى في ذلك مشكلة. هم يقولون أنهم يستخدمون عدة أسماء لله تعالى ولكنه إله واحد. والآلهة الأخرى مجرد وسائط.            
- هل لديك فكرة حول السنة النبوية ؟
غارودي: يوجد هنا كتاب صحيح البخاري. ويبدو بالنسبة لي أنه توجد عدة أحاديث تخالف القرآن كلياً.
- هل تعتقد ذلك؟
غارودي: أعتقد أنه غباء. البخاري يناقش مسألة فيما إذ كان على المرأة أن ترخي ضفيرتها أثناء الاغتسال أم لا؟ لا توجد علاقة بين الغسل وشد أو إرخاء الضفيرة (هكذا يعتقد). ويقول البخاري بأن النبي (ص) كان يحب نباتاً ما ويجب أن نحب هذا النبات. ما الأمر فيما لو أحببته أم لا؟
- أنت انتقدت الإمام مالك وابن تيمية لأنهما ربطا بين سلطة الحكومة وبين الدين. وحسب رأيك أنهما شوها الرسالة الاجتماعية للإسلام.
غارودي: كانت هذه خبرة، فالإسلام في اسبانيا حيث كانت هناك خلافة وحضارة مزدهرة. وكان هناك علماء عظام أمثال ابن عربي، أستاذي. عندما ذهب المالكيون إلى القيروان في المغرب، تعرضوا لمحاكم تفتيش تشابه محاكم التفتيش المسيحية السيئة الصيت. لقد وضع في السجن عباقرة أعلام. واليوم يوجد حجر فكري. قبل فترة استلمت كتاب ألفه جمال البنا . لقد كتب تفسيراً يتضمن رؤيته بتفسير القرآن دون الاعتماد على آراء المفسرين القدامى لكن الفقهاء وعلماء الأزهر رفضوه وقرروا حرقه.
- إذن لديك تجربة سلبية مع الفقهاء.
غارودي: نعم، إنهم يتحملون مسؤولية هزيمة الإسلام في اسبانيا. لقد أسست متحفاً في قرطبة لمحاربة هذا التوجه ولأبين للعالم أن الإسلام كان مزدهراً.
المسلمون في الغرب
يُلاحظ أن كتابات غارودي لا تهتم كثيراً بالأقليات الإسلامية المقيمة في الغرب وحتى في بلده فرنسا. وغالباً ما يتفادى المشاكل الرئيسية للعالم الإسلامي كالتخلف والأمية والتنمية والدكتاتورية والاستبداد السياسي. لذلك حاولت التعرف على آرائه حول هذا الموضوع فسألته:
- يوجد في أوربا الغربية حوالي 15 مليون مسلم، ما هو تصورك لتحسين أوضاعهم؟ المشاركة في الحياة السياسية والاقتصادية والانتماء للأحزاب السياسية والترشيح للبرلمان ، والحياة الثقافية والنشاطات الأدبية.
غارودي: يجب عليهم أن لا يعزلوا أنفسهم ويتجنبوا قبول الحضارة الغربية. إن ذلك يمثل فشلاً ذريعاً، لذلك عليهم أن لا يتورطوا في أمراض الغربيين. ولكن عليهم السعي لتكييف المبادئ الرئيسية للشريعة مع الوضع الذي يعيشونه. في آخر كتاب لي الذي سيصدر خلال شهرين أو ثلاثة سعيت إلى التأكيد على أنه من الممكن للإسلام، الذي يقبل أنبياء كل الديانات، بأن يصبح خمير الوحدة ضد نمط الحياة الأمريكي التي تتركز في معادلة البيع والشراء فقط. للأسف هناك من المسلمين لا زال يقلد إمام الماضي أو الغرب.  
غارودي وأمريكا واليهود
 يلتزم غارودي بموقف صارم ومتشدد تجاه السياسة الأمريكية والمفاهيم المنطلقة من الحياة الأمريكية وفلسفتها . ففي كتاباته مثل (الولايات المتحدة طليعة الإنحطاط) ينتقد الهيمنة الأمريكية ومدى التخريب السياسي والفكري والاقتصادي الذي تسببه في أنحاء العالم. ويلاحظ أن هجوم غارودي على أمريكا هو استمرار لمواقف الماركسية التي قضى شطراً طويلاً من حياته معتنقاً أفكارها ونظرياتها. فهو يهاجم الرأسمالية والسياسة الأمريكية بأسلوب دعائي شيوعي كانت الأحزاب الشيوعية والاتحاد السوفياتي تمارسه في فترة الحرب الباردة. ولذلك لا يكاد غارودي يرى أية إيجابيات في المجتمع الأمريكي ، وهذا الموقف بعيد عن الرؤية الموضوعية والمنهج العلمي في النقد والتقييم، فتراه يركز على الجوانب السلبية من خلال إحصائيات الجريمة والاجهاض والسرقة والإدمان على المخدرات وغيرها من أمراض المجتمعات الغربية. وبقي بعد إسلامه يمارس نفس النقد وبنفس الحدة من العداء وبنفس الأسلوب مستفيداً من الصورة السلبية والعداء لأمريكا لدى شعوب كثيرة وخاصة في العالم الإسلامي .

- لماذا تهاجم أمريكا دوماً؟
غارودي: لأنها عدوي.
- هل يعتمد نقدك لأمريكا بسبب سعيها للهيمنة السياسية والاقتصادية على العالم؟
غارودي: للأسف إنها هيمنة عسكرية. وهذا هو الخطر الكبير لكل الأمم. ولذلك أنا أحارب العولمة. إنها المرض القوي الذي سيصيب هذا العالم.
- أو ربما تكون العولمة الأداة المستخدمة للهيمنة على العالم.
غارودي: من أجل التخلص من الهيمنة الأمريكية لا يوجد سوى الحرب. ولا أقصد الحرب العسكرية بل الحرب الاقتصادية من خلال الحظر على شراء البضائع الأمريكية. أولاً لأنها القوة الكبرى في العالم ، وثانياً إنها بلد الميزان التجاري. لذلك لا يمكنها مقاومة حظر تجاري تقوم به الدول الآسيوية. أعتقد أن الحكام المسلمين المناوئين لهذا الحظر هم خونة. يجب أن لا نستعمل المنتجات الأمريكية. يجب أن نمتنع عن شراء الكوكا كولا. عندما كنت في لبنان مؤخراً رأيت الكوكا كولا في كل مكان، فقلت لهم: كلما اشتريتم زجاجة كوكا كولا كلما أضفتم حلقة إلى سلسلة التبعية بأمريكا. لقد ضربت الكوكا كولا كرمز للهيمنة الأمريكية.
- معروف عنك دعم للفلسطينيين حيث تدعمهم سياسياً وأدبياً.
غارودي: نعم ولذلك تعرضت للمحاكمة والتحقيق.  
- ولكنك متهم بالعداء للسامية.
غارودي: لقد اتهمت بنصوص مزيفة. لقد اعتمدت مقولة عالم من فيينا، من مركز الوثائق اليهودية ، لا أتذكر اسمه. لقد قال لي : لم توجد مطلقاً أية معسكرات اعتقال في أراضي الرايخ (ألمانيا في عهد هتلر)، ولكن وجدت في بولندا. وفي قرار الإدانة الذي وجّه لي تم حذف المقطع الثاني من العبارة. لقد حدث تزييف للنصوص. لقد كان يعرف ذلك وقد أدين بالسجن لتسعة أشهر.
- أنا أقدر جهودك في سرد الأدلة العلمية والتاريخية بالوثائق والأرقام.
سألني غارودي: هل قرأت الكتاب (الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية، الصادر عام 1996)؟
- نعم قرأته ولكن أريد أن أسألك: هل تعتقد أن مناقشة قضية حدثت في أوربا قبل خمسين عاماً تخدم الفلسطينيين هناك؟
غارودي: بالتأكيد.
- لماذا؟
غارودي: لأني قد بينت العدو الرئيسي لهم. إن الولايات المتحدة تقف خلف إسرائيل.
- إن إنكار حدوث المحرقة (الهولوكوست) (٦) لا يخدم الفلسطينيين لأنهم قد دخلوا منذ اتفاقية أوسلو في مفاوضات مستمرة وعقدوا العديد من الاتفاقيات مع الإسرائيليين. وكان من قبل قد توصلوا إلى تسوية عام 1991 في مدريد. وقد حصلوا بموجب ذلك على الضفة الغربية وقطاع غزة. فكيف يخدم إنكار المحرقة في أوربا الفلسطينيين في الشرق الأوسط؟
غارودي: أنا لم أنكر المحرقة، أجاب بانفعال. لقد كانت هناك غرف غاز للقتل الجماعي. أمريكا قتلت 16 مليون من الهنود الحمر وكذلك ملايين من العبيد السود.
- ولكنك تعرضت للمحاكمة هنا في فرنسا.
غارودي: كان ذلك غباء لأنني أحترم اليهودية كديانة كما أنني أحترم بقية الديانات. ولكن الصهيونية ليست ديانة، إنها حركة سياسية، استيطانية وقومية. أنا احارب كل مستعمر وقومي. لقد قاتلت الاستعمار الفرنسي في الجزائر، ولذلك أدانوني. واليوم يحدث نفس الشيء.
- أنت تعلم بوجود لوبي يهودي قوي.
غارودي: إنه اللوبي الصهيوني الذي يمثل 10% من عدد اليهود في فرنسا.
- ولكن هذا العدد الصغير قد نجح في خلق جو عدائي ضدك. وهذا أدى إلى خلق عداء أكبر ضد المسلمين وخاصة في الغرب.
غارودي: نعم، وقد استلمت رسائل تهديد بالموت، أعطيتها لوزير الداخلية. فما كان منه إلى أن أعطاني رخصة لحمل السلاح ، قالها بتهكم.
- وهل ما زلت تؤمن الآن بأن التعامل بقضايا حدثت في أوربا في الحرب العالمية الثانية كغرف الغاز يمكن أن يخدم القضية الفلسطينية؟
غارودي: أنا لم أنكر ذلك ، لقد قلت أنها مزيفة فقط. لقد أمضيت ثلاث سنوات في معسكر اعتقال ولكنهم يصرون على أنني أنكر وجود معسكرات الاعتقال. لقد أدنت السياسة لا الدين.

قضايا إسلامية
- ما رأيك بتطبيق الشريعة الإسلامية؟
غارودي: لقد قلت أن الشريعة أمر مسلّم به بما هو موجود في القرآن. وأن الله هو المالك والآمر والعالم . الصفة الأولى –المالِك- تناقض أي شكل من أشكال الرأسمالية. والصفة الثانية –الآمِر- تناقض كل الملكيات والأحزاب المنفردة بالحكم. والثالثة –العالِم- تناقض كل إدعاء بالكمال . ومن الممكن مناقشة فيما إذا تمكن المسلمون من بناء نظام سياسي على اساس الشريعة وحاولوا تطبيق الفقه – وليس الشريعة- الذي وجد في القرن الهجري الأول في الجزيرة فسيكون خطأ كبيراً.
- ولكن الفقه الذي تسميه فقه الجزيرة العربية مبني على أساس القرآن والسنة.
غارودي: تمثل السنّة ( يخلط غارودي بين السنّة والاجتهاد) جميع محاولات الفقهاء في زمانهم. أنا لا يمكنني أن أسأل أبا حنيفة لإبداء رأيه حول الحرب النووية، فهذه مشكلة. يمكنك أن تقول أنا مسلم جيد لأنني أحترم السنة. إنها فعل تاريخي للرجال وليس الله، والشريعة هي أمر الله.
- في كتابك (الإسلام في القرن 21) تقول (إن فكرة الإله الرحيم بلا حدود لا تنطبق جيداً على هذه العقوبة المتصلبة وهي قطع اليد). وتذكر أيضاً ( ولو بدأنا بالقمع فلن يكون الضحية إلا الفقراء. ولو قطعنا لهم أيديهم فسيكون من المستحيل عودتهم لحياتهم الطبيعية في المجتمع عن طريق العمل) ، وأن قطع الأيدي يؤدي إلى زيادة عدد المعوقين.
غارودي: لقد كان ذلك مجرد مثال نموذجي. وأعتقد أنه مجرد رمز لأن القرآن طالما يستخدم الرمزية في عباراته.
- هل ترى أن الأمر بقطع اليد مجرد عبارة مجازية أي ليست حقيقية؟
غارودي: كان عيسى يستخدم الأمثلة الرمزية لأن الله فوق الوجود فلا يتكلم لغتك أو عقليتك. لذلك شرح الله  أوامره لنا بالرمز والمجاز. في ذلك الزمن عندما كان السعي لإيقاف جرائم السرقة استخدم ذلك الأسلوب. ولكن عندما يأمر أحد الحكام أو الملوك سكرتيره بتحويل مليون دولار من هذا البنك إلى ذاك، فكم يد يجب أن تقطع؟ إنهم يقطعون يد الفقير الذي يسرق رغيف خبز، فهذه وحشية، ولا علاقة لها بالاسلام.
- ولكن هذا نص قرآني.
غارودي: لقد حلّ النبي (ص) مشاكل عصره. يجب البدء بالأمر الإلهي الخالد ولكن يجب أن لا نحمّل الأمر الخالد بتطبيق تاريخي محدد.
- ولكن القرآن أبدي أيضاً.
غارودي: القرآن خالد كما أن الكتاب المقدس خالد.
- ولذلك يجب أن نمتثل ونطبق ما يدعونا إليه القرآن.
غارودي: إنه تعاليم أبدية  ولكن التطبيق يتحدد بظروف كل عصر ومنطقة. ألا يقول القرآن بأنه لكل زمان. فيجب تعلمه بعيون تاريخية ونقدية.
- تذكر أحياناً بأنه يجب أن لا نخلط الإسلام بالثقافات المحلية. فهل تعتقد أنه من الممكن تفادي ذلك؟ أي هل يمكن ممارسة الإسلام دون وجود أية عناصر ثقافية؟
غارودي: الإسلام صالح للتطبيق لكل الشعوب في أنحاء العالم.

بعد اللقاء أخذني غارودي إلى مكتبته التي تضم عشرين ألف كتاب ، فسألته عن بعض حقول المعرفة كالفلسفة والعقائد وتفسير القرآن وكتب الحديث. فأخرج لي نماذج منها ، فشاهدت كتابات في الشعر الصوفي لعمر الخيام والمثنوي وابن عربي، وكتب العقائد المسيحية، وتفسير الطبري وتفسير محمد أسد (رسالة القرآن) وصحيحي البخاري ومسلم. بعد ذلك ودعت غارودي ورافقتني زوجته بابتسامتها إلى باب المنزل الذي تشم منه عبق التاريخ والفن والفلسفة.

وفاة غارودي
في ١٧ حزيران ٢٠١٢ توفي المفكر والفيلسوف المسلم روجيه غارودي عن سنّ تناهز 9٩ سنة. ودفن غارودي يوم الإثنين  ١٨ حزيران بمقبرة بلدية شامبيني-سور-مارن جنوب شرق باريس.

مؤلفات غارودي
قبل اعتناقه الإسلام أصدر غارودي عشرات الكتب ، بعضها أثار ضجة في حينها. ورغم حداثة إسلام جارودي وكثرة المصاعب التي واجهته سواء من حيث اللغة أو الثقافة استطاع أن يؤلف العديد من الكتب منها:
١-وعود الإسلام
٢-الإسلام دين المستقبل
٣-المسجد مرآة الإسلام
٤-الإسلام وأزمة الغرب
٥-حوار الحضارات
٦-كيف أصبح الإنسان إنسانيا
٧-مستقبل المرأة وغيرها
٨-المسجد مرآة الإسلام (Mosquée, miroir de l'Islam).
٩-جولتي وحيدا حول هذا القرن (Mon tour du siècle en solitaire)
١٠-فلسطين مهد الرسالات السماوية (Palestine, terre des messages divins).
١١-الولايات المتحدة طليعة الانحطاط
١٢-الإرهاب الغربي
١٣- الاساطير المؤسسة للسياسة الاسرائيلية
الهوامش
١- رينيه غينون كاتب وفكر فرنسي اعتنق الإسلام وصار اسمه عبد الواحد يحيى. له دراسات في مجال الميتافيزيقا والعقائد . كتب (زمن الكمية وعلامات العصر) وو (رمزية الصليب) و (مقدمة لدراسة العقائد الهندوسية ).
٢- بركهارت مفكر سويسري ولد في إيطاليا وتوفي في لوزان. بعد اعتناقه الإسلام اتخذ اسم إبراهيم عزالدين. ويعد مؤسس (مدرسة التقليديين) . أصدر مؤلفات في الصوفية والفكر والثقافة والفنون الإسلامية والمسيحية .
٣- حسن الترابي مفكر إسلامي وسياسي سوداني تزعم الجبهة الإسلامية القومية. أصدر (قضايا الوحدة والحرية ) ، (تجديد أصول الفقه) ، (تجديد الفكر الإسلامي) ، (تجديد الدين) ، منهجية التشريع) ، (السياسة والحكم) ، (منهجية التشريع) ، (الأشكال الناظمة لدولة إسلامية معاصرة) ، (المصطلحات السياسية في الإسلام) ، (الدين والفن) ، (المرأة بين تعاليم الدين وتقاليد المجتمع) ، (الحركة الإسلامية: التطور والنهج والكسب).
٤- حركة طالبان حركة إسلامية سنية إرهابية نشأت عام 1994 وتولت حكم أفغانستان عام 1996 . عرفت بسلوكها الوحشي تجاه خصومها وتمييز المرأة ومعاداة الحضارة والفن. بعد تورط أسامة بن لادن في حادث 11 سبتمبر 2001 ورفض طالبان تسليمه إلى أمريكا ، شنت عليها حرباً لمدة شهرين حتى سقطت كابل في نوفمبر 2001 وتأسس نظام جديد.
٥- حركة المرابطين الأوربيين هي حركة صوفية حركة أسسها البريطاني عبد القادر الصوفي المرابط، واسمه الأصلي أيان نيل دالاس.
٦- الهولوكوست لفظة يونانية تعني (الكل محروق) أو شواه بالعبرية. وهي عملية إبادة جماعية ضد اليهود على يد النظام النازي لهتلر. وحدثت في الأعوام 1941 إلى 1945.