×

أخر الأخبار

(شب ) ليلة يلدا عند الكورد الفيليّة… من خانقين إلى كرماشان طقوس الضوء في أطول ليالي الشتاء

  • اليوم, 21:47
  • 62 مشاهدة

تنوع نيوز. ايناس الوندي 


ليلة واحدة… وهوية تمتد عبر الحدود

ليلة يلدا… حين تجتمع العوائل حول مائدة واحدة

في ليلة يلدا، لا تجتمع العوائل حول مائدة عابرة، بل حول ذاكرة إنسانية قديمة تمتد عبر أكثر من جغرافيا وثقافة، من كوردستان إيران والعراق إلى أفغانستان، وربما أبعد من ذلك، حيث يشترك الناس في المعنى ذاته: انتظار النور بعد أطول ليالي الشتاء.
تسقط المسافات، وتبهت الحدود، ويغدو الليل مساحة مشتركة للحنين والسرد والانتظار.
ليلة يلدا تصادف ليلة الانقلاب الشتوي، أي:

ليلة 20 إلى 21 كانون الأول (ديسمبر) من كل عام،
وهي أطول ليلة في السنة وأقصر نهار.

هي ليلة تُعيد ترتيب الجغرافيا على إيقاع العائلة،
تتشابه فيها الطقوس رغم اختلاف الأسماء،
وتتقارب الحكايات مهما تباعدت المدن،
فتجلس الأمكنة المختلفة كأنها بيت واحد،
تنتظر الفجر نفسه، وتؤمن بالضوء ذاته.

هي ليلة عابرة للحدود السياسية، لكنها راسخة في ذاكرة واحدة وهوية مشتركة، تُعرف بالاسم نفسه تقريبًا: Şeva Çile، وتحمل المعنى ذاته في كل مكان: الانتظار… ثم انتصار الضوء.
في هذه الليلة، لا يُقاس الوقت بالساعات، بل بالحكايات، ولا يُقاس الليل بطوله، بل بقدر ما يحتمله القلب من صبر.

يلدا الفيليّة… حين يجتمع العوائل الكورديه حول مائدة واحدة

عند الكورد الفيليّة، كما عند غيرهم من عوائل المنطقة، لا تُختصر يلدا في طقس موسمي أو تقليد عابر، بل تتحوّل إلى لحظة التقاء للهوية والذاكرة، وسهر طويل تُقاوَم فيه العتمة بالصوت، والحكاية، والمائدة، والصبر.

في مناطق الكورد الفيليّة، يختلف الشكل وتبقى الروح واحدة.
في خانقين ومندلي تُستعاد القرى والبيوت القديمة، وتُفتح دفاتر الذاكرة.
في إيلام تُحكى قصص الشتاء الأول، عن البرد والعمل والبدايات الصعبة.
في سنندج يتقدّم الشعر بوصفه لغة الليل.
أما في كرماشان، مهد الذاكرة الفيليّة، فتمتزج الأغنية بالحكاية، ويغدو السهر طقسًا كاملًا.

الاختلافات تبقى شكلية: نوع الحلوى، لهجة القصيدة، أو طريقة السهر، لكن الجوهر واحد في كل مكان: العائلة، السهر الطويل، وانتظار الفجر.

حين يتكفّل الكبار بإنهاء الليل

مع تقدّم ساعات الليل، يجلس الأب أو أحد كبار السن أو الضيوف المتقدمين في العمر في صدر المجلس.
يبدأ الحديث عن الشعر والقصائد، وتُروى الحكايات الغريبة والعجيبة، وتُستعاد قصص الماضي بأفراحه ومآسيه، وتُناقَش القضايا الاجتماعية، وكأن السرد نفسه وسيلة لمقاومة طول الليل.

وفي زوايا المجلس، تحاول الأمهات إبقاء الأطفال مستيقظين، تساومهم بالحلوى أو بالوعود الصغيرة، وتضغط عليهم بلطف لمقاومة النوم، لأن البقاء حتى الفجر جزء من الطقس، وكأن من ينام مبكرًا يفوته شيء من المعنى.

الشعر والغناء… يلدا بصوت الفنان عدنان كريم

لا يمكن الحديث عن يلدا في الوجدان الفيلي والكوردي من دون التوقف عند صوت عدنان كريم، الصوت الذي حوّل الليل والحنين والانتظار إلى أغنية هوية.
في أعماله الغنائية، لا يُستدعى الليل بوصفه ظلمة، بل كمرحلة لا بدّ منها قبل النور، وهو المعنى الجوهري لليلة يلدا.

ويتردّد في هذه الليلة، بصيغة رمزية متداولة شفهيًا، ذلك المعنى الذي لامس وجدان أجيال كاملة:

 الليل يطول…
لكن الفجر يعرف طريقه

لهذا، تُشغَّل أغاني عدنان كريم بهدوء في بيوت خانقين وكرماشان وإيلام، لا للترفيه فقط، بل كجزء من الطقس، كأن صوته امتداد للحكاية لا موسيقى عابرة.

مائدة يلدا… حين يتكلم اللون الأحمر
لا تكتمل ليلة يلدا عند الكورد الفيليّة، ولا في المناطق الكوردية بإيران، من دون مائدة يغلب عليها اللون الأحمر؛ لون لا يُختار للزينة فقط، بل رمزًا للفجر، والدم، والحياة، واستمرار النور بعد أطول ليالي الشتاء.


 




 
في قلب المائدة يتقدّم الرمان أولًا، كاملًا أو مفتوحًا، تُرتّب حبّاته بعناية، في إشارة إلى الخصوبة، وتعدّد الحياة، ووحدة العائلة رغم تفرّق الحبات.
الرمان في يلدا ليس فاكهة عابرة، بل علامة هوية لا تغيب عن مائدة في خانقين أو كرماشان أو إيلام.

إلى جانبه يحضر الرقيّ الأحمر (البطيخ)، رغم قسوة البرد، بوصفه ذاكرة للصيف واستمراره في الوجدان، وكأن المحتفلين يقولون إن الدفء لا يُمحى مهما اشتدّ الشتاء. وفي المناطق الإيرانية، يُحرص على اختيار الرقيّ شديد الاحمرار ليبقى اللون الأحمر سيّد المشهد.

ومن الطقوس الجميلة في إيلام وكرماشان وسنندج، تزيين التفاح الأحمر بحبّات القرنفل، تُغرس بعناية، فتفوح رائحته مع دفء المكان. طقس يجمع بين الجمال والرائحة والرمز، حيث يمثّل التفاح الحياة، ويجسّد القرنفل الحماية وطرد السوء.

كما تُزيَّن المائدة بأنواع مختلفة من الكرزات والحلوى، تقليدية ومنزلية، تُقدَّم للأطفال والكبار، في إشارة إلى حلاوة الفجر القادم بعد مرارة الليل الطويل.

كل شيء في مائدة يلدا يقول إن هذه الليلة ليست لملء المعدة فقط، بل لشحن الذاكرة بالألوان والمعاني، وللتأكيد أن الأحمر، لون الحياة، ينتصر دائمًا على عتمة الشتاء

يلدا كذاكرة مقاومة

بالنسبة للكورد الفيليّة، ليست يلدا مناسبة شتوية فحسب، بل فعل مقاومة ثقافية.
في وجه التهجير، وفقدان الجنسية، والمنفى والانقطاع، بقيت هذه الليلة تقول:
نحن هنا، نروي القصة، ونتقاسم الليل، وننتظر الفجر… معًا.

خاتما :
من خانقين إلى كرماشان، ومن إيلام إلى سنندج، يحتفل الكورد الفيليّة بليلة واحدة، لكنهم يحتفلون أيضًا بهويتهم.
وفي أطول ليالي السنة، تتردّد الحقيقة الأقدم:

الليل مهما طال… لا بد أن ينكسر.

"شەوی یەلدا"
شه‌و درێژه‌
له‌سه‌ر ده‌لێ منداڵی چاوەڕوانی
ده‌ستم له‌ تاریکیدا
به‌ دوای ڕووناکی ده‌گه‌ڕێت

شه‌وی یەلدا
شه‌وی بیركردنه‌وه‌ی خاكه‌
شه‌وی ناوه‌ندی دڵ
كه‌ ده‌نگ له‌ دووری نیشتمان ده‌هێنێت

ئه‌م شه‌وه‌
نه‌ گریانه‌
نه‌ شكسته‌
ئه‌م شه‌وه‌
فێركردنه‌وه‌یه‌ بۆ صه‌بر

شه‌و درێژه‌
به‌ڵام ڕۆژ له‌ دڵدا له‌دایك ده‌بێت
و ڕووناکی
هه‌موو جارێك
ڕێگای خۆی ده‌زانێت"