بغداد . ايتاس الوندي
في قلب بغداد، حيث يلتقي المثقفون والكتّاب والباحثون عن الكتب القديمة، يسطع اسم علي المندلاوي كتفصيلة نادرة في مشهد شارع المتنبي. هو ليس مجرّد بائع أقلام أنتيكة، بل حارس لذاكرةٍ تفيض بعبق الحبر وأسرار الكلمات.
نبذة عن عشيرة المندلاوية
تعود جذور عشيرة المندلاوية إلى المكوّن الفيلي، ويقيم أفرادها في مناطق متعددة من العراق، تشمل خانقين، مندلي، بلدروز، بغداد، الجنوب والغرب. عُرفت هذه العشيرة منذ أواخر القرن الماضي بحرفيتها ومهاراتها التجارية، حيث أسهم أفرادها في بناء نسيج الحياة الاقتصادية والثقافية في بغداد. كان لهم حضور بارز في أسواق تاريخية مثل الشورجة والكرادة، وامتلكوا محلات تجارية تعكس ذوقهم الرفيع وحرصهم على الجودة والتفاصيل الدقيقة.
رحلة علي المندلاوي مع الأقلام
في عام 1982، انتقل علي المندلاوي إلى بغداد مع عائلته بعد أن فقد والده في الحرب العراقية‑الإيرانية. في سن الخامسة عشرة، بدأ العمل كبائع أقلام في سوق السراي، حيث كان يبيع أقلامًا بسيطة. مع مرور الوقت، بدأ يجمع أنواعًا نادرة من الأقلام، محليّة وأجنبية، حتى أصبح لديه أكثر من مليون قلم، مما جعل محله يُلقب بـ "متحف الأقلام".
المحل كمتحف حي
محل المندلاوي ليس مجرد متجر لبيع الأدوات المكتبية، بل هو متحف حيّ يروي تاريخًا طويلًا من الثقافة العراقية. يضم المحل أقلامًا نادرة، بعضها يعود إلى فترة السبعينيات، وأخرى تحمل توقيعات شخصيات ثقافية بارزة. يُعتبر المحل ملتقى للمثقفين والكتّاب، الذين يجدون فيه مصدر إلهام وذاكرة حية لثقافة بغداد.
قيم إنسانية واجتماعية
علي المندلاوي لا يجمع الأقلام من أجل الربح فقط، بل يعتبرها جزءًا من هويته الثقافية. يُعرف عنه أنه لا يغلق باب محله أبدًا، وقد أوصى جيرانه بتلبية احتياجات أي شخص يطرق بابه، خاصةً السياح. هذه الروح الإنسانية جعلت منه رمزًا للكرم والضيافة البغدادية الأصيلة.
ختاما:
علي المندلاوي ليس مجرد بائع أقلام، بل هو شاهد حيّ على تاريخ بغداد الثقافي والتجاري. من خلال محله، يُحافظ على ذاكرة مدينة كانت وما زالت مركزًا للثقافة والفكر في العالم العربي. إن قصة المندلاوي هي قصة بغداد نفسها، مدينة لا تُنسى، مهما مرّ عليها الزمن.