×

أخر الأخبار

قصر الجاف في السعدية.. إرث كوردي ينتظر أن يُروى

  • 18-09-2025, 22:13
  • 172 مشاهدة

ديالى . ايناس الوندي

بين أزقة السعدية الهادئة، يقف قصر الجاف شامخاً، شاهداً على حقبة تاريخية تجاوز عمرها القرن. جدرانه السميكة وزخارفه الحجرية ما زالت تروي قصة الزعيم الكوردي محمود باشا الجاف، الذي شيّد القصر عام 1895م ليكون مقراً سياسياً واجتماعياً، وواجهةً لنفوذ عشيرة الجاف في عموم ديالى.
القصر، الذي يمتد على مساحة تتجاوز 2500 متر مربع ويضم أكثر من 25 غرفة وصالة وساحة داخلية وحدائق، لم يكن مجرد مبنى معماري، بل مركزاً لصناعة القرار. هنا كانت تُدار شؤون العشائر، وتُعقد الاجتماعات لحل النزاعات، وتُستقبل الوفود والتجّار، ما جعله رمزاً للهيبة والنفوذ في زمن الدولة العثمانية.

حضور فيلي راسخ
ارتبط القصر أيضاً بالكورد الفيلية الذين استقرّت مئات العائلات منهم في السعدية ومحيطها. فقد كانوا جزءاً أصيلاً من نسيجها الاجتماعي، عملوا في الأسواق والحِرف والتجارة، وأسهموا في حياتها الثقافية.

الحاج أبو حيدر فيلي (70 عاماً) يستعيد ذكرياته قائلاً:
"كنا نزور قصر الجاف في طفولتنا وكأنه حصن تاريخي. آباؤنا كانوا يصفونه بـ'بيت الهيبة'، إذ يعكس مكانة الكورد في السعدية. بالنسبة لنا كفيلية، كان القصر رمزاً لهويتنا وحضورنا في المدينة، واليوم حين أراه مهملاً، أشعر وكأن جزءاً من تاريخنا يتلاشى."

غير أن سياسات التهجير في السبعينيات والثمانينيات قلّصت من عدد الفيلية في السعدية، بعدما كانوا يشكّلون كتلة بشرية معتبرة، لكن بصمتهم ما زالت ماثلة في الذاكرة والوجدان.

صاحب القصر
محمود باشا الجاف، الذي يُنسب القصر إليه، كان أحد أبرز زعماء عشيرة الجاف الكوردية في أواخر القرن التاسع عشر. عُرف بدوره السياسي والاجتماعي، وكان شخصية ذات تأثير في العهد العثماني، حيث اتخذ من السعدية مركزاً لنفوذ عشيرته.
الجاف، التي ينتمي إليها، تُعد من أكبر العشائر الكوردية الممتدة بين العراق وإيران، وقد أسهمت في ترسيخ الحضور الكوردي في مناطق ديالى وخانقين ومندلي.

سبب التسمية
جاءت تسمية القصر بـ قصر الجاف نسبةً إلى عشيرة الجاف التي شيّدته وسكنت المنطقة، وارتبطت تسميته مباشرةً بمحمود باشا الجاف، الذي جعله مقراً له ولأسرته، إضافة إلى كونه مركزاً عشائرياً مؤثراً. وحتى اليوم، ما زال الأهالي في السعدية يطلقون عليه هذا الاسم كإشارة إلى رمزية العشيرة الكوردية في تاريخ البلدة.

بين الماضي والمستقبل
اليوم، يقف القصر على مفترق طرق: بين أطلال الماضي وأمل المستقبل. فقد طرحت الحكومة المحلية ومنظمات دولية مشاريع لإعادة تأهيله وتحويله إلى متحف وملتقى ثقافي يوثق هوية السعدية المتعددة، ويعيد الاعتبار لتاريخ الكورد فيها، وخصوصاً الفيلية الذين ظلوا جزءاً من روح هذه الأرض.
لكن التحدي الأكبر يظل في غياب الرؤية الجادة لاستثماره سياحياً وثقافياً. فلو جرى ترميمه وإحياؤه، فلن يكون مجرد أثر معماري؛ بل سيغدو رسالة رمزية تعكس تلاقي الهويات وصمود الفيلية في مواجهة التهجير والنسيان.

وأخيرا : قصر الجاف إذن ليس حجارة قديمة، بل ذاكرة حية تعكس الدور الكوردي – الفيلي في ديالى، وحين يُستعاد من الإهمال، فإنه يعيد أيضاً جزءاً من هوية السعدية إلى الحياة