×

أخر الأخبار

غرفة تجارة بغداد… شاهد على أكبر اقتلاع للتجار الفيليين

  • 9-08-2025, 16:32
  • 169 مشاهدة

بغداد – إيناس الوندي

في قلب بغداد، حيث كانت غرفة تجارة بغداد مرادفًا للهيبة والنجاح، جلس على مقاعدها يومًا آلاف التجار، ومن بينهم شريحة واسعة من الكورد الفيليين الذين شكّلوا شرايين الاقتصاد العراقي. لكن في أحدى صباحات من  عام 1980، تحولت تلك القاعة المهيبة من منصة توقيع الصفقات إلى بوابة عبور نحو التهجير الجماعي.
من قوائم الشرف إلى لوائح الإلغاء
بحسب شهادات وسجلات موثقة، ففي 7 أبريل 1980، استُدعي عشرات من كبار تجار بغداد إلى الغرفة، وكان نحو ثلثهم من الكورد الفيليين. دخلوا حاملين أوراقهم التجارية، وخرجوا بأوراق أخرى: أوامر بإلغاء العضوية، وختم المحلات بالشمع الأحمر، وتجميد الحسابات البنكية. لم يكن أمامهم سوى ساعات قبل أن يُرحّلوا قسرًا نحو الحدود الإيرانية، بلا أوراق أو ممتلكات.

شهادة حية: "وجدت نفسي على الحدود بملابس البيت"
أبو عادل، ابن أحد التجار الفيليين، يستعيد المشهد:
 "كنت صغيرًا، لكن لا أنسى يوم جاء رجال الأمن. قالوا لوالدي: أنت مطلوب لمراجعة الغرفة. هناك سلّموه ورقة إسقاط الجنسية ومصادرة كل شيء. في المساء كنا على الحدود العراقية الايرانية  لم نأخذ حتى أوراقنا… فقط الملابس التي كنا نرتديها".

"محلي في الشورجة صار بأيدي غريب"

أبو علي، تاجر أقمشة سابق، يحكي بمرارة:
 "محلي في الشورجة كان مسجل
باسمي في غرفة التجارة. بعد التهجير، وصلني خبر أنه بيع بثمن بخس لأحد المقربين من النظام. بعد 2003 حاولت استرجاعه، لكن الأوراق اختفت، وكأنني لم أكن موجودًا في بغداد يومًا".

ضربة اقتصادية للسوق البغدادية
إفراغ الأسواق من التجار الفيليين أحدث فراغًا اقتصاديًا هائلًا. بضائع كانت تأتي من الهند وباكستان وأوروبا انقطعت فجأة، شبكات التوريد تعطلت، والأسعار قفزت. المستفيدون كانوا قلة محسوبة على السلطة، فيما فقدت بغداد شبكة تجارية كانت تمتد من الخليج إلى آسيا الوسطى.

جريمة موثقة في الأرشيف
الحدث لم يكن معزولًا؛ فقد جاء في إطار حملة منظمة ضد الكورد الفيليين تحت ذريعة "التبعية الإيرانية". المرسوم رقم 666 الصادر في نفس العام سمح بسحب الجنسية العراقية منهم ونفيهم. كثيرون قضوا في المعتقلات أو فُقدوا دون أثر.

ملف لم يُغلق بعد
بعد أكثر من أربعين عامًا، لا يزال أبناء المهجّرين يطالبون باسترداد أملاكهم وإعادة الاعتبار لأسمائهم في سجلات الغرفة. بعضهم يحتفظ بعضوية ورقية قديمة كدليل وحيد على أنهم كانوا يومًا قلب الاقتصاد العراقي النابض.
غرفة تجارة بغداد لم تكن يومًا مجرد مبنى… بل كانت مرآة لتاريخ تجاري ضُرب في مقتل، وذاكرة لجرح ما زال ينزف في وجدان آلاف العائلات الفيلية.