هناك من يتساءل باستغراب عن المنهج الفكري للدكتور علي المؤمن ومعاييره في التجديد والإصلاح، ويفترض وجود نوع من التعارض في مواقفه الفكرية؛ لأنه يدافع مرة عن المجددين والمصلحين ومناهجهم ومواقفهم الفكرية؛ كمحمد رضا المظفر والخميني ومحمد باقر الصدر وفضل الله والخامنئي، ومرة أخرى يعارض مجددين ومصلحين آخرين، أمثال شريعتي وسروش وكمال الحيدري، وهم الذين عانوا ــ كما يرى المتسائلون ــ من المؤسسة الدينية التقليدية نفس ما عاناه المظفر والخميني والصدر، ومرة ثالثة يجدونه يقاتل دفاعاً عن المؤسسة الدينية التقليدية المحافظة ورموزها، كالسيد الخوئي والسيد السيستاني ــ كما يعبِّرون ــ، رغم أنهم يرون منهج علي المؤمن قريباً من منهج علي شريعتي. وبالتالي؛ فهم يستغربون كيف يمكن الجمع بين هذه المواقف!.
للإجابة على هذه التساؤلات؛ يقول الدكتور علي المؤمن بأن منهجه الفكري هو منهج نهضوي تجديدي شمولي، يتعامل مع الواقع بكل تفاصيله، أي أنه منهج يعمل على استنهاض الشيعة استنهاضاً شاملاً، ومترابطاً في عناصره وقواعده ومنطلقاته وأهدافه. وهو يعتقد أن تفكيك موضوعات التنظير التجديدي عن عناصر النهوض والواقع؛ يؤدي الى كوارث وأزمات على كل المستويات.
كما يعتقد الدكتور المؤمن بأن منهج التجديد والإصلاح الفكري والكلامي والفقهي والتفسيري والحديثي والاجتماعي؛ إذا نتجت عنه أزمات في منظومة النهوض الشيعي الشامل، من شأنها كبح جماح النهضة، عبر تمزيق الواقع الشيعي فكرياً وعقدياً وسياسياً واجتماعياً؛ فإنه سيكون منهجاً تجديدياً وإصلاحياً سلبياً، ومتعارضاً مع مقاصد الدين ومصالح أبنائه، هذا فيما لو كان داعية التجديد والإصلاح يحمل نوايا موضوعية صادقة، وسلامة فكرية ومنهجية؛ فما بالك لو كان هذا التجديد والإصلاح ينطويان على سوء نوايا، وأجندات شخصية وفئوية، ومنهجيات تتعارض مع الدين أساساً، ومخرجات انحرافية فكرياً وعقدياً وفقهياً.
ويذهب السيد المؤمن إلى أن التجديد الفكري والكلامي والفقهي وتنقية الموروث الديني، ليس عملاً ترفياً أو علمياً محضاً أو استعراضاً دعائياً أو فردياً، إنما هو لصيق بالواقع الاجتماعي والسياسي الشيعي ومتطلباته، وبالمحيط الإقليمي والدولي، ولا ينفصل عن معيار درء المفاسد وجلب المصالح؛ فإذا تسبب التجديد والإصلاح المزعومين في إعاقة النهوض الشيعي وتمزيق الواقع الشيعي اجتماعياً وسياسياً، وتعريضه للمخاطر الداخلية والخارجية؛ فهما تجديد وإصلاح مرفوضين بالجملة. أما إذا كان خطاب التجديد والإصلاح يساهم في استنهاض الواقع الشيعي استنهاضاً شمولياً، ومترابطاً في عناصره النظرية والواقعية، ويأخذ بالاعتبار معايير المفاسد والمصالح العامة ومتطلباتها؛ فإنه خطاب مطلوب وضروري، بل مصيري، وهو ما يتبناه الدكتور علي المؤمن جملةً وتفصيلاً.
وهنا يلفت علي المؤمن الأنظار إلى قضيةٍ أساسيةٍ تتعلق بقرار التجديد والإصلاح، وتشخيص مصلحة الواقع الشيعي؛ إذ يؤكد على أن ذلك القرار وهذه المصلحة، ليستا مهمتين فرديتين لمفكر وفقيه وباحث، أو لجماعة حركية أو مؤسسة دينية؛ إنما هما مهمتان جماعيتان يقعان على عاتق حكماء الشيعة أو أغلبيتهم، وهم المراجع والفقهاء والمفكرون والمنظّرون، وخاصة المتصدّون للشأن العام. وبالتالي؛ فإن الأعمال الفردية غير المنضبطة، ذات العناوين التجديدية والإصلاحية، والتي لها تأثيرات عامة، سياسية واجتماعية واقتصادية، حتى لو قام بها فقيه متبحر ومفكر كبير؛ فإنها ستعود بالضرر العميق على الواقع الشيعي، فيما لو لم تخضع لمعايير المفاسد والمصالح العامة، والتي يقع تشخيصها على عاتق حكماء الشيعة أو أغلبهم كما ذكرنا، وهو ما يمكن التعبير عنه فقهياً بالعناوين الثانوية.
ويرى الدكتور المؤمن بأن المؤسسة الدينية التقليدية ومرجعيتها، التي تجمع بين المنهجين المحافظ والإصلاحي، هي خيار الشيعة الصحيح الوحيد، وإن دعا هو شخصياً في دراساته ومؤلفاته، الى إصلاح هياكلها وإعادة مأسستها وتحديث مناهجها، لتواكب متطلبات العصر وتحديات المستقبل، لكنها تبقى في كل الأحوال الضمانة الحقيقية للحفاظ على العقيدة الإسلامية لمدرسة آل البيت وعلى الهوية الشيعية المذهبية، في مواجهة تيارين متناقضين متطرفين: تيار التجديد المنفلت وتيار الغلو المنغلق.
وفي الوقت نفسه؛ لا يرى علي المؤمن أي تعارض داخل الحوزة العلمية بين تياراتها الأصيلة الثلاثة: النهضوية (محمد باقر الصدر والخميني والخامنئي) والإصلاحية (المظفر ومحسن الحكيم والسيستاني) والمحافِظة (البروجردي والخوئي والوحيد)؛ فهي تكمل بعضها، وإن اختلفت منهجياتها الفقهية والفكرية والعملية، وهي جميعاً تمثل الخط العام للمرجعية الدينية. أما الخطوط الخاصة في الحوزة العلمية وفي الواقع الشيعي، سواء التي تدعي التجديد والإصلاح أو المغالية الخرافية؛ فيذهب الدكتور المؤمن الى أنها تتسبب غالباً في أزمات وفتن، وهذه الخطوط هي التي تواجهها الحوزة العلمية ومرجعياتها بالنقد والرفض.
ولذلك؛ ليس كل من يتعرض الى النقد والمقاطعة من الحوزة العلمية التقليدية هو مظلوم وعلى حق عادةً، باستثناء بعض الحالات التي حدثت نتيجة التباسات معقدة وتحريض من أصحاب المصالح. وبالتالي؛ لا يمكن قياس ما يقوم به بعض مدّعي التجديد والإصلاح على هذه الحالات الاستثنائية الملتبسة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) باحث وأكاديمي لبناني، دكتوراه في علم اجتماع المعرفة، له عدد من المؤلفات والدراسات.
(**) أنظر: د. علي المؤمن، «معالم المنهج الترابطي الشمولي النهضوي في الإصلاح والتجديد»، موقع كتابات، 9/ 5/ 2024.