تبوأ الدكتور علي المؤمن خلال مسيرة حياته، عدداً من المواقع البحثية والأكاديمية والإعلامية، بشكل متزامن أو متتالي، من أجل خدمة هدفه الأساس، وهو الحفاظ على أصالة الفكر الإسلامي، ومتابعة المتغيرات العالمية والمحلية التي تستهدف الإسلام كعقيدة وشريعة وفكر ومنظومة شاملة، وكتب في سبيل ذلك عدداً كبيراً من البحوث والمقالات والكتب.
ولا يزال الباحث المؤمن يعتز وينتمي الى معظم متبنّياته الفكرية التي كتب عنها في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، واحتفظ بآرائه القديمة ولم يتخل عنها؛ لكنه استطاع وبقوة أن يطورها ويجدد في مناهجها، إضافة إلى طرح آراء وأفكار حديثة، حتى تحولت بمجموعها إلى منظومة فكرية شبه متكاملة.
وحينما تقرأ القديم والحديث من كتاباته؛ تستنتج أنه حافظ على تواصل فكري استثنائي مع كثير من المفكرين والعلماء والأدباء في كثير من دول العالم، وصقل من خلال هذا التواصل مهاراته البحثية والفكرية، وطوّرها بشكل لافت بمرور الزمن. وأرى أن اطلاعه وتفاعله مع الثقافات المختلفة كان لهما الأثر الكبير على ذلك، مضافاً إلى ما أعطاه الله له من موهبة. وقد صنع كل ذلك له مهارةً عاليةً في طرح أفكاره وإيصالها الى الجمهور، واجتهاداً ملفتاً في قيادة القارئ الى فكرته.
وما يميز الدكتور المؤمن في مقارباته للفكر الإسلامي المعاصر هو قدرته على قراءة الموروث الإسلامي بطريقة حديثة، لا تفقده قيمته الحقيقية، إلى جانب التأكيد على المراجعة المستمرة لهذا الموروث، والتجديد المستمر في منهجية قراءته، ونقده بموضوعية هادفة وهو ما يتضح من مؤلفاته في مجال التجديد في الفكر الإسلامي. ولذلك؛ حينما تقرأ لعلي المؤمن تحس أنك ما تزال محافظاً على موروثك الديني، وتحترمه، وتمتلك القدرة على توصيله للآخرين بلغة سهلة ممتنعة وبمنهجية حديثة ومقاربة عميقة. وقد لاحظت أنه غالباً ما يفكر خارج الصندوق في هذا المجال.
وحين أقرأ للدكتور علي المؤمن أو أستمع لمحاضراته؛ أجد نفسي متعمقة في الموضوع ومتفاعلة مع الحلول التي يطرحها؛ لأنه قادر على خلق الشعور بالانتماء والوئام مع قرائه، عبر رصد المشكلة وتفكيكها وتقديم رؤية واضحة عنهاـ وصولاً إلى طرح الحلول بشأنها، أي أنه يتدرج مع القارئ والمستمع، بدءاً من طرح الإشكالية وحتى وضع الحلول والبدائل، وهو ما يريح القارئ والمستمع جداً، ويجعله منشداً ومتفاعلاً، وهو ما كنت أُلاحظه في عدد قليل من أساتذتنا في الجامعة.
أرى أن علي المؤمن خير من يساعد في إيجاد نهضة فكرية حديثة للشباب، والحفاظ على الهوية الإسلامية، واستنباط أساليب حديثة لتأصيل القيم الأخلاقية، لتحل محل القيم الوضعية التي لا تمثل ديننا الحنيف، والتي تغزوا المجتمعات العربية والإسلامية، وبدأت تسودها؛ لأن الدكتور المؤمن قادر على استثمار البحث العلمي لدرء محاولات تشويه الإسلام وثوابته وشريعته. وليس عندي شك بأن الدكتور علي المؤمن سيكون قطباً بارزاً في هذه النهضة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) المقال منشور في كتاب «علي المؤمن: قراءات في آثاره ومشروعه الفكري»، إعداد د. رفاه دياب، دار روافد، بيروت، 2025.
(**) الدكتورة سلامة الخفاجي، قيادية سياسية إسلامية عراقية، أستاذة في كلية طب الأسنان، جامعة بغداد، عضو مجلس الحكم العراقي سابقاً.