×

أخر الأخبار

"صورة من الذاكرة".. ثانوية خانقين للبنات في الستينيات: منارة التعليم ووعي المرأة الكوردية الفيلية في ديالى

  • 16-07-2025, 14:16
  • 307 مشاهدة

تحقيق .إيناس الوندي

في قلب خانقين، المدينة التي لطالما كانت بوتقة للتنوع القومي والثقافي، تقف صورة تذكارية نادرة التُقطت في أوائل ستينيات القرن الماضي، تجمع بين مديرة ثانوية خانقين للبنات، الست سعاد البطي، وعدد من المدرسات المتألقات. لم تكن هذه الصورة مجرّد لقطة جامدة؛ بل وثيقة تختزل عصرًا من التحوّل المجتمعي العميق، كانت فيه المرأة، خصوصًا الفيليّة والكوردية، تصنع مجدها في التعليم.

معهد تنوير نسوي في زمن الصمت
تأسست ثانوية خانقين للبنات في زمنٍ كان العراق يتلمّس طريقه نحو التحديث بعد سقوط العهد الملكي، ومع تصاعد برامج الدولة لدعم تعليم الفتيات. هذه المدرسة لم تكن مجرد بناية تعليمية، بل مساحة تحرّر نسوي، خرجت منها أجيالٌ من النساء اللواتي واصلن تعليمهن الجامعي، وانخرطن لاحقًا في مجالات التدريس، الطب، المحاماة، والنشاط المجتمعي.

الست سعاد البطي.. ذاكرة امرأة حديدية

قدِمت سعاد البطي من بغداد، حاملةً معها ثقافة العاصمة وحزم إداري لا يلين. وصفتها العديد من خريجات المدرسة بأنها:

 "أمّ لم تلدنا، صارمة في وقت الصرامة، عطوفة في وقت الحاجة. زرعت فينا الثقة بأننا قادرات على أن نكون صوتًا لا صدى."
هكذا قالت ساهرة الفيلي، إحدى خريجات دفعة 1964، مضيفةً:
"كنا نشعر بأن المدرسة بيتنا الثاني. الست سعاد كانت تبدأ يومها بتفتيش الصفوف، تسأل عن النظافة، عن الزيّ، لكنها كانت تنحني لتصحّح مشاعرنا، تسند الضعيفة وتشجع المتفوقة."

التعددية في قلب المدرسة
ما ميّز ثانوية خانقين للبنات لم يكن فقط جودة التعليم، بل تركيبتها الاجتماعية المتنوعة:

مدرسات كورديات فيليات قادمات من خانقين وجلولاء.
معلمات عربيات من بعقوبة وبغداد.
إداريات تركمانيات من كركوك.

هذه النخبة النسوية صنعت بيئة تعليمية غنية بالتعدد والقبول، وسط مدينة متنازع على هويتها، لكنها دائمًا ما تمسّكت بإنسانيتها.

لماذا هذه الصورة مهمّة؟
 توثّق حقبة زمنية كانت فيها المرأة الفيلية تفرض وجودها كقيادية لا تابعة.
تعكس الطفرة التعليمية بعد العهد الملكي، حين بدأ مفهوم التعليم الإلزامي للبنات بالترسخ في مناطق الأطراف.

 تظهر كيف استطاعت النساء في خانقين كسر قيود العادات، وبناء منظومة تعليمية تقودها الكفاءة لا النسب أو الجنس.

 تشهد على التنوّع الثقافي في خانقين، حيث ساهمت النساء من مختلف المكونات في إعادة تشكيل وجه المدينة.

بعض من خريجات المدرسة يروين:

نوال كريم الفيلي (دفعة 1965):

 "كنّا نكتب القصائد داخل الصفوف ونقرأها في ساحة المدرسة. علمونا أن لنا صوتًا، وأننا لسنا مجرّد بنات يُحضّرن للزواج فقط."

 فريدة علي التركمانية (دفعة 1963):
 "المدرسة كانت جواز عبورنا من مجتمع مغلق إلى عالم مفتوح. تعلمنا النقد، والتفكير، والاعتماد على النفس."

 آسيا قاسم الكردية (دفعة 1966):

 "لا أنسى أول حصة ألقيتها كمدرّسة بعد التخرج، وكنت أرتجف، لكنها الست سعاد التي كانت تقول دائمًا: "ارفعي رأسك.. لا تخجلي من علمك."

وأخيرًا... الصورة التي نُشرت

ليست مجرد إطار محنّط في ألبوم عائلي، بل صرخة ضوءٍ من زمنٍ صعب، تذكّرنا بما استطاعت نساء خانقين – وخاصة الفيلية منهن – أن ينجزنه رغم التحديات السياسية، والتضييق المجتمعي، والتهميش الذي طال مدينتهن لاحقًا.

إنها دعوة لإعادة قراءة التاريخ بصوت نسائه، ولإحياء ذكرى نساء كتبن المجد بالطباشير والكتب والكرامة وبالأخص الكورديات الفيليات البارزات في المجتمع العراقي .