تحقيق: إيناس الوندي
ليلة العاشر من محرم لم تكن كسابقاتها في منطقة الكفاح، الحيّ العريق في قلب بغداد، حيث احتشد المئات من الكورد الفيليين، رجالا ونساءً، صغارًا وكبارًا، لإحياء ذكرى استشهاد الإمام الحسين (ع) في أجواء استثنائية اختلطت فيها المشاعر بالدموع، والنياح باللطم، والمشاعل بحرارة القلوب المكلومة.
منذ الساعات الأولى لليل التاسع من محرم، بدأت المواكب والهيئات الحسينية بالانتشار في أزقة الكفاح، ذلك الحي المعروف بكثافته السكانية من الكورد الفيليين، الذين حافظوا لعقود على إرثهم العاشورائي الخاص، بنكهة فيلية حزينة لا تشبه غيرها.
مراسم مهيبة وزخم شعائري
مراسم هذا العام تميزت بحضور استثنائي، حيث حلّ سماحة الشيخ طارق البغدادي (دامت بركاته)، ممثل المرجعية الدينية العليا، ضيفًا على أهالي الكفاح، مشاركًا أبناء الحسين دموعهم وولاءهم، وسط ترحيب كبير من الأهالي والمواكب. امتزج صوت الدعاء بصوت الطبول والدفوف، وارتفعت رايات الحزن السوداء فوق كل بيت وكل زاوية، معلنةً أن الكورد الفيليين ما زالوا على العهد، متمسكين بطريق الحسين (ع) ونهجه.
محسن المندلاوي بين أهله وناسه
ولعل أبرز ما ميّز هذه الليلة وأمسها أيضًا، هو مشاركة النائب الأول لرئيس مجلس النواب العراقي، الأستاذ محسن المندلاوي، الذي اختار أن يقف بين أبناء قومه من الكورد الفيليين، لا بصفته السياسية، بل كابن بار لهذا المكون الأصيل. شوهد المندلاوي وهو يشارك في المسيرات، يتقدم الصفوف، يستمع للردّات، ويعانق شيوخ الحي وشبابه، في مشهد أعاد لليلة العاشورائية طابعها الاجتماعي والروحي العميق.
الهوية الفيلية في حضن الحسين (ع)
لطالما اعتُبرت عاشوراء مناسبة لتجديد الهوية والانتماء بالنسبة للكورد الفيليين، الذين عاشوا لعقود طويلة على هامش الوطن، محرومين من أبسط حقوقهم. لكن في حضرة الحسين، يجد الفيليون ذاتهم، ويعبرون عن تمسكهم بقيم الثورة والعدل والكرامة.
تقول الحاجة "أم رضا"، وهي إحدى نساء الكفاح المعروفات بخدمتها في الموكب منذ ثلاثين عامًا:
"نلبس السواد من قلوبنا، مو من ملابسنا. الحسين عندنا مو بس إمام، هو صبرنا، وهويتنا، وهو الي علمنا نكول لا للظلم."
جيل جديد يحمل الشعلة
ما لفت الأنظار أيضًا هو الحضور الكثيف للشباب والأطفال، الذين رددوا "هيهات منا الذلة" بقلوبهم قبل ألسنتهم. هذه الروح العاشورائية، المتجددة جيلاً بعد جيل، هي ما يراهن عليه الكورد الفيليون لبقاء شعائرهم حيّة، ومعاني عاشوراء نابضة في حياتهم رغم كل ما مرّ بهم من تهميش وظلم وتهجير.
عاشوراء... وعد لا يخلفه الفيليون
إنها ليست مجرد ذكرى، بل وعد يتجدد في كل عام، أن تبقى دمعة الحسين (ع) في العين، وأن يظل نهجه مشعلًا في دروب الأحرار. الكورد الفيليون، رغم ما عانوه من نسيان رسمي وتغييب ممنهج، يثبتون في كل موسم محرم، أنهم أبناء الحسين، وسلالة الوفاء، وأصحاب البيعة الخالدة.