تُعَدُّ مناسبة "زكريا" من التقاليد العريقة التي يحييها العراقيون، وخاصة أهل بغداد، مساء يوم الأحد الأول من شهر شعبان. وتمثل هذه المناسبة إرثًا ثقافيًا واجتماعيًا متوارثًا يعكس ارتباط العراقيين بعاداتهم وتقاليدهم، حيث يتجمع الأهل والأحبة حول مائدة زكريا، يزينونها بالشموع والألوان، ويرفعون أكفهم بالدعاء، خاصة بطلب الذرية الصالحة، تيمّنًا بالنبي زكريا – عليه السلام – الذي رزقه الله بيحيى بعد طول انتظار.
التحضيرات في أسواق بغداد
تبدأ أجواء الاحتفال بمناسبة زكريا قبل أسبوع من حلولها، حيث تشهد أسواق الشورجة في بغداد ازدحامًا كبيرًا، إذ يقصدها الناس لشراء مستلزمات هذه الليلة المباركة. ومن أبرز المواد التي يتم شراؤها:
- الطَبْل (الدُمبكْ)، وهو آلة موسيقية تُستخدم لإضفاء أجواء الفرح والاحتفال خلال المناسبة.
- الشموع التي تُضاء على المائدة كرمز للنور والبركة.
- البخور والياس الأخضر، إذ يُعتقد أن لها معاني روحانية تجلب الخير والسكينة.
- أنواع مختلفة من الحلويات التي تُستخدم في تزيين الصينية، مثل السمسمية، الجكليت، الراحة، وغيرها من الحلوى العراقية التقليدية.
- حلوى الزردة، وهي من الحلويات العراقية التي يتم إعدادها خصيصًا في هذه المناسبة، وخصوصًا في بغداد. تتميز بلونها الأصفر الزاهي ومذاقها الحلو، حيث تُصنع من التمن العنبر (الأرز العراقي الفاخر) وماء الورد والزعفران، وتُزين بالمكسرات مثل اللوز والجوز.
طقوس الاحتفال بمناسبة زكريا
مع غروب شمس يوم الأحد الأول من شعبان، تجتمع العائلات العراقية، كبارًا وصغارًا، حول مائدة زكريا، والتي تُزين بشكل جميل يعكس البهجة والتفاؤل. وتشمل الطقوس:
- إشعال الشموع حول الصينية تعبيرًا عن النور والبركة.
- الدعاء والتضرع بطلب الخير والرزق، خاصة طلب الذرية الصالحة، تيمّنًا بالنبي زكريا.
- رسم الحناء على الأيدي، حيث تعتبر من رموز الفرح والتفاؤل.
- الضرب على الطبل (الدُبُكْ) لإضفاء أجواء الفرح والاحتفال.
- الغناء الجماعي، حيث يجتمع الأهل حول الصينية وهم يرددون الأهازيج الشعبية الخاصة بهذه المناسبة، وأشهرها:
- "يا زكريا عودي علينه... كل سنة وكل عام نشعل صينية مري علينه"
ويُردد هذا الدعاء أملاً في عودة المناسبة عامًا بعد عام محمّلة بالخير والبركة.
- مشاركة الجيران والأقارب، إذ يتم توزيع بعض الأطعمة والحلوى، مما يعزز روح التكافل الاجتماعي.
زكريا.. ذاكرة لا تغيب رغم الغربة
ورغم التهجير والتوطين في دول أخرى، لا يزال العراقيون يحتفظون بهذه العادة التراثية، حيث يحرصون على إحيائها أينما وجدوا، لتبقى مناسبة زكريا جزءًا من ذاكرتهم وهويتهم الثقافية التي تحمل أجمل الذكريات والروحانية.
الخاتمة
تُجسد مناسبة زكريا مزيجًا من الإيمان والتقاليد الشعبية التي تعزز الروابط العائلية والاجتماعية. ورغم مرور الزمن، ما زال العراقيون متمسكين بها، محتفلين بها كإرث ثقافي غني بالمعاني والدلالات، ومناسبة تُضفي البهجة والسكينة على القلوب، وتجدد الأمل بالرزق والخير في كل عام.