حذر مجلس القضاء الأعلى، اليوم الخميس، من خطورة تهريب العملة وضرره على الاقتصاد الوطني والتنمية، فيما كشف عن أحدث أساليب تهريب العملة وكيفية ملاحقتها.
وقال قاضي محكمة تحقيق النزاهة وغسل الأموال، إياد محسن ضمد، في تصريح لصحيفة القضاء تابعته وكالة " تنوع نيوز": إن "تهريب العملة من الجرائم التي تحمل تأثيرات اقتصادية واجتماعية في مقدمتها الإضرار بالاقتصاد الوطني من خلال إخراج العملة الصعبة من البلد ودفعها للتداول في سوق الاقتصاد لدول أخرى".
وفي ظل التطورات التقنية والتكنولوجية التي يشهدها العالم، كما يشير ضمد فإن "مهربي العملة طوروا من وسائلهم وأساليبهم في تهريب الأموال، ومن أحدث الطرق التي عرضت علينا في الواقع العملي، هي تهريب العملة من خلال بطاقات الدفع الإلكتروني المسبق، حيث يقوم المتهم بالاتفاق مع مواطنين عاديين باستصدار بطاقات دفع بأسمائهم لقاء مبالغ زهيدة يمنحها لهم ثم يقوم بتعبئة البطاقات وحملها وإخراجها خارج البلد من خلال المطارات ومن ثم سحب مبالغها نقداً من خلال أجهزة صراف آلي في الدول التي يسافر إليها".
ومن طرق تهريب الأموال، ذكر ضمد أن "بعض المجرمين يلجؤون إلى نافذة بيع العملة في البنك المركزي العراقي لشراء الدولار، ومن ثم تحويل الأموال الى حسابات بنكية خارجية بحجة استيراد بضائع من دون وجود عملية استيراد حقيقية".
وعن الإجراءات القانونية، أشار إلى أن "المحاكم في الوقت الحاضر تنظر جرائم تهريب العملة وفق أحكام القرار 58 لسنة 1982 والتي تصل عقوبة الفاعل فيها الى السجن المؤبد وأحيانا يتم تكييفها وفق المادة 43 من قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب رقم 39 لسنة 2015 وهي جنحة، والفيصل في تحديد العقوبة هو ظروف الدعوى وحيثياتها".
وبين القاضي المختص بمكافحة غسل الأموال أن "هناك إجراءات قانونية تتمثل بتشريع القوانين والتي تلزم بمكافحة تهريب العملة وتفرض العقوبات الردعية على الفاعلين، وهناك الإجراءات المؤسساتية والمتمثلة بتشكيل الأجهزة الأمنية والاستخباراتية المعنية بمكافحة هذه الجريمة والقبض على فاعليها وتقديم القضايا أمام قضاة التحقيق".
وعن العقبات التي تواجه متابعة مهربي العملات، ذكر أن "العقبات تتمثل في صعوبة تتبع بعض أساليب المهربين وكشفها لاسيما عند استخدامهم للطرق الحديثة وللتقنيات المتطورة، كذلك من العقبات هي كون الجريمة منظمة وتشترك في ارتكابها عصابات عابرة للحدود الوطنية، فمن المعروف أن الجرائم العابرة للحدود تكون معقدة وصعبة التتبع والتعقب من حيث إجراءات التفتيش والقبض والملاحقة".
وعن التقدم التكنولوجي وتأثيره في الزيادة أو الحد من هذه الجرائم، وصف القاضي التطور التكنولوجي بأنه "سيف ذو حدين إذ ممكن أن يستغله المجرمون في تطوير وسائل تهريب العملة والإسراع بها وتعقيد إجراءات تعقبها، وعلى الجانب الآخر يمكن أن تستفيد منها السلطات المختصة بمكافحة جريمة تهريب العملة من خلال تطوير أجهزة الفحص والتفتيش في المطارات وكذلك من خلال تطوير أنظمة مكافحة غسل الأموال وتهريب العملة واستخدام وسائل التكنولوجيا في تفعيل إجراءات العناية الواجب اتباعها للحد من خطورة ومديات تهريب العملة".
ومن جهته، كشف قاضي محكمة تحقيق الكرخ الثالثة، محمد خالد جياد عن "طرق حديثة أخرى مستخدمة في عمليات تهريب العملة وغسل الأموال، وهي ما يتمثل باستيراد البضائع من الدول المجاورة بصفقات وهمية أو إرفاق فواتير مزورة يتم فيها تضخيم الأسعار بمستويات عالية أو عن طريق بطاقات (كي كارد)".
وأوضح جياد أن "مهربي العملة يقومون بجمع عدد كبير من بطاقات الكي كارد والفيزا كارد بعد تعبئتها بالعملات الوطنية والسفر بها خارج العراق وسحب ما تم إيداعه بها من مبالغ بالدولار أو بشراء بطاقات الألعاب الإلكترونية من الإنترنت بالدولار، وكذلك عن طريق تجارة المخدرات والأسلحة وتهريب النفط".
وبين أن "التجار والمستوردين يقومون بالتهرب من المساءلة القانونية بالاستيراد عبر أسماء وهمية كون معظمهم غير مسجلين ضريبياً أو لا يمتلكون شهادة استيراد تتيح لهم بالأصل إجراء التبادل التجاري".
وحذر من "خطورة تهريب العملة الذي يسبب حصول تضخم اقتصادي وذلك بارتفاع أسعار السلع إلى الضعف أو أكثر"، مبيناً أن " هذه الجرائم أدت إلى عدم استقرار الأوضاع الاقتصادية للبلاد وتذبذب سعر صرف العملات الأجنبية بقيمة الدينار العراقي وانتشار الفقر والطبقية والجهل في المجتمع".
وتابع جياد: أن "كبرى العقبات التي تواجه الجهات المعنية في ملاحقة مهربي العملات الأجنبية هي حصر امتلاك الدولار بيد فئة أو جهات معينة تسيطر على خفض أو رفع العملة المحلية مقابل الدولار، ما أوجد نوعاً من الهيمنة والاحتكار المدعوم بمظلة وقرارات رسمية"، لافتا إلى أن "السياسة المالية أخفقت في الوصول إلى استقرار أسعار صرف الدينار مقابل الدولار، بالإضافة إلى صعوبة كشف الأشخاص الذين يقومون بغسل الأموال وتهريب العملات الصعبة، كون هذا النوع من الجرائم مغطى بطابع تجاري".
وأشار إلى أن "من أسباب عدم السيطرة على التهريب هي المنافذ الحدودية غير المسيطر عليها من قبل الهيئة العامة للجمارك، وكذلك تواجد بعض المهربين خارج العراق ومن جنسيات مختلفة ما يصعب الوصول اليهم وتسليمهم الى الدولة العراقية بسبب القانون الدولي حيث أن تسليم المهربين يكون وفق مبدأ المعاملة بالمثل واتفاقيات تسليم المجرمين بين الدول".
وعن الإجراءات المتخذة في مواجهة مهربي العملة، ذكر أن "البنك المركزي العراقي يلعب دورا مهما من خلال سياساته، لذا يجب أن توضع سياسة خاصة بالبنك وترجمتها وفق تعليمات وضوابط وتطبيقها على جميع المصارف والمؤسسات المالية بشكل صارم، بالإضافة إلى الرقابة الخاصة التي تتمثل بممارسة إجراءات تدقيقية تتعلق بالرقابة على المؤسسات المالية".
وعن الجهود القضائية في هذا المجال، أكد جياد أن "للقضاء العراقي دوراً مهماً في التصدي لهذه الجريمة من خلال الأحكام القضائية التي أصدرها بحق مهربي العملة حيث تم تطببق أحكام المادة (456) من قانون العقوبات وبدلالة المادة (57) من قانون المصارف العراقية المرقم 94 لسنة 2004 التي تنص على أن (أي شخص يمارس أنشطة مصرفية ويعمل من دون إجازة مصرفية صادرة من البنك المركزي العراقي يعد مذنباً ومعرضاً للمقاضاة وتطبق بحقه عقوبة الاحتيال الواردة في قانون العقوبات)".
وأضاف أن "المادة (456) من قانون العقوبات تعاقب من توصل إلى تسلم أو نقل حيازة مال منقول مملوك للغير لنفسه أو إلى شخص باستعمال طرق احتيالية أو باتخاذ اسم كاذب أو صفة غير صحيحة أو تقرير أمر كاذب عن واقعة معينة متى كان من شأن ذلك خدع المجنى عليه وحمله على التسليم".
وأوضح القاضي أنه "يتم اتخاذ الإجراءات بحق الأشخاص الطبيعية والمعنوية التي تمارس أنشطة مصرفية كالتحويلات المالية الى الخارج من دون أن تكون لها إجازة بذلك حسب شهادة تأسيسها، وكذلك تطبق أحكام قرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم 58 لسنة 1982 الذي ينص على (أولاً): يعاقب بالسجن المؤبد كل من يثبت قيامة بتهريب الأموال الى خارج العراق بقصد الاستثمار وتصادر أمواله المنقولة وغير المنقولة الكائنة في العراق وتسجل باسم وزارة المالية".
ولفت إلى أن "المادة (38) من قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب 39 لسنة 2015 نصت على ( أولاً: يجب الحكم بمصادرة الأموال محل الجريمة.....)، وتضمن قرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم 58 لسنة 1982 مصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة الكائنة في العراق لكل من يثبت قيامه بتهريب الأموال وحدد الجهة التي تسجل باسمها هذه الأموال المصادرة ( وزارة المالية)".