الصباح الاخير في مكة لايشبه الصباحات السالفة التي ذابت على شوارعها ..الكثير من المشاعر ..والخطوات ..وسيول العرق الهابط من أجساد الحجيج ..بعد أن نضحت وهي تشاكس شمساً ورطوبةً ترهق المارة وهي تتراكض في أزقتها الفارهة ..هاربة من لسعات على رؤوس تنازلت عن (شعرها) تحليقاً وتقصيراً جنب شياطين منى التي لم تسقط رغم ملايين الحجارة التي انهالت عليها ..وظلت تكابر واقفة ومصرَّة على سيرتها القديمة تتوعد الرماة بعد انتهاء (موسم)الرجم المنظم..والذي اعتبرته الشياطين (نيراناً صديقة)ولو على سبيل الامنيات..التي لم تفارق ابيهم ابليس من بداية موسم (التكبر ) في نرجسية الجحود ..
كانت الشوارع تتصفح وجوه الحجاج العائدين الى منازلهم في أوطان كانت تداعبهم في كل ليلة بأصوات اطفالهم ونكات أصحابهم وهم يتأففون من حر شديد..على أرصفة يابسة تتبخر من جفاف النهار..
لقد تعودت هذه الشوارع على أنفاس الوداع وحسرات المودعين ..ربما لن تراهم مرة ثانية ولهذا تطيل النظر الى بعضهم بانكسارٍ لمحب ٍمن حقه ان يعود..
كانت الحقائب تودع المحطات ..بشخطات نَفَسٍ صاخب وهي تسحب على ظهور الشوارع..
في الحقائب (أسرار) من عطر وذهب وهدايا لمن ينتظر على نهاية الرحلة بشوقٍ مبالغٍ فيه ..يتنافس به المستقبلون بألوانهم الزاهية..
وتلفتت عيني ومذ خفيت
عنها الطلولُ تلفتَ القلبُ
ستبقى تتلفت بمزيج خيوط ملونة ..تتقطع مرة وتتواصل مرات ..ومن ورائها قلب يتقلب من تقلب الموسم والفصول والوجوه ..
كانت رحلة ممتعة ..لاتخلو من الارهاق..يسميها الحجاج.. رحلة التعب اللذيذ.. وسفرة الروح بأجنحة ٍ (ترفرف ) وهي في بقايا الريش ..
عباس الجبوري..