×

أخر الأخبار

معالم شخصية الشيخ محمد أمين زين الدين

  • 7-04-2020, 12:15
  • 437 مشاهدة
  • السيد حسن النوري

من لطف الله تعالى بي أن وفقني للتزود من عطاء العالم الرباني والفقيه المربي, والمفكر الجليل محمد أمين زين الدين.
فقد كان بحق أميناً على رسالة الإسلام, وعلى مسؤوليات العالم, وكان مجمعاً لخصال حميدة, جعلته زيناً للدين, وجمالاً له ومن أمثال هذا الفقيه يتشكل موكب الفقهاء الرساليين الذين عبّر عنهم أستاذنا الشهيد الصدر بالشهداء على مسيرة الأمة ووعيها للرسالة الإسلامية وتطبيقاتها في عصر الغيبة حيث اجتمعت في شخصيته شروط الربانيين الذين ورد ذكرهم في القرآن الكريم

(( إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ )) (المائدة:44).
ولا يمكننا أن نفهم نيابة العلماء عن الأئمة والأنبياء في فهم الشريعة والأشراف على تطبيق الأمة لها من غير أن تكون هناك شروط شديدة وحاسمة في هؤلاء العلماء.
وقد برز من تبار الحوزة العلمية رجال أناروا الطريق لأبناء الجيل وشباب الإسلام حيث أدوا ما عليهم بكل أمانة. حين انتشرت تيارات الانحراف في مختلف البلدان الإسلامية بسبب مصادرة مواطن القدوة من قبل المنحرفين باسم الفن والساسة أو العلم والتقدم أو الرياضة. وكذلك جراء تصدي بعض وعاظ السلاطين, وبعض الجاهلين غير المتخصصين للتبليغ باسم الإسلام, وجراء عدم وجود البيئة الملائمة للتربية الإيمانية.

لهذا وغيره انتشرت ظواهر الانحراف تحمل أسماء مختلفة فهي التقدم بوجه الرجعية, وهي العلم مقابل الجهل والخرافة, وهي السعادة والرفاهية بوجه الشقاء والبطالة, وهي الوعي مقابل التخنق, وهكذا سهل على الباطل أن يحمل شعارات الحق ويجعل نفسه مدافعاً عنها ساعياً إلى تحقيقها, كل هذا دفع ثلة من علماء الإسلام كما دفع غيرهم من شباب الأمة المسلمة للتفكير في مواجهة هذه الانحرافات وكانت في الطليعة من هؤلاء أسماء لامعة, محمد باقر الصدر, مرتضى آل ياسين, ومن العلماء النشطين كان سماحة شيخنا الفقيد.

وولولا تلك الصفوة العاملة من العلماء وصفوة أخرى من الرساليين من العاملين في سبيل الله لكان للانحراف صولات وجولات ضد رسالة الإسلام.
للقد أثبت هؤلاء جزاهم الله خيراً أن أبناء الإسلام حين يدرسون إسلامهم, يجدون فيه الحلول للمشاكل الفكرية والاقتصادية والسياسية التي تزخر بها الساحة, ولولا تلك الموجات الانحرافية لما رأى النور نتاج ضخم تمثل في فلسفتنا واقتصادنا والإسلام ينابيعه مناهجه غاياته, من أشعة القرآن, العفاف بين السلب والإيجاب, قضايانا على ضوء الإسلام, رسالتنا, ومقالات مجلة الأضواء, وغير ذلك من ما أبدعته عقول اهتدت بنور الإيمان ولم تفقد الساحة العلمية في النجف الأشرف أياً من صفات البحث العلمي الموضوعي حين ناقشت الأفكار المنحرفة المتمثلة غالباً في أفكار المادية التاريخية والديالكتيكية..
وأذكر نموذجاً على ذلك ما فعله سماحة الشيخ حين تعرض لأفكار الشيوعيين فهو لم يقل أنهم شذاذ آفاق أو ذوو عاهات كما فعل بعض الباحثين خارج دائرة النجف الأشرف, وكان أسلوبه الحواري رائعاً ومميزاً فقد وهبه الله سبحانه قدرة أدبية رائعة, وخلقاً علمياً رصيناً, وحباً شديداً للهداية, فلا تجده يكتب بانفعال حتى حين ينقد من حارب بشدة عقيدة من أهم عقائدنا وهي عقيدتنا في الإمام المهدي عجل الله فرجه.
وأحسب أن قلم شيخنا الفقيد كان فريداً في حوزة النجف من حيث الجمال والشفافية, وإن كان هذا لا يعني عدم وجود أقلام أخرى تميزت بجوانب أخرى من الكمال.

كانت الحروف والكلمات تنساب على لسانه بيسر وطلاقة كما كانت تفعل حيث يجري قلمه وأنه ليأخذك من غير اختيار في موضوعاته لأن المضامين رائعة والأسلوب أروع.
ولعل العظمة في شخصية الفقيد تتجلى معالمها في تصديه مع جملة من معاصريه من العلماء لتحدي أوضاع وظروف البيئة العلمية التي عاشوا فيها, وللانطلاق بمفاهيم الإسلام لتتحدى ظواهر الانحراف التي كادت أن تجرف تياراتها كل الجيل المتطلع إلى ما هو جديد في دنيا تزخر بمختلف مظاهر التجدد والتنوع ولقد لخص أستاذنا الإمام الشهيد الصدر المظاهر السلبية في تلك البيئة بما يلي:

فقدان روح التضحية والإيثار.

فقدان نزعة الدين في أساليب العمل.
وبما أن أبناء الحوزة يدرسون العلم للعمل فلا بد من التفكير في تغيير أساليب العمل بما ينسجم مع روح الشريعة ومبادئها.

وهذه المشكلة معقدة جداً لأن الحوزة آنذاك لم تكن فيها مطالعات ولا ترويض فكري على التعامل مع مسائل التجديد في العمل وأساليبه ولا خبرة عملية لدى طلاب الحوزة بظروف العالم لهذا كان لا بد من البحث والتفكير المتواصل لتذليل هذه المشكلة.

االعقلية الرياضية والعقلية الاجتماعية :

كان العاملون للإسلام في تلك الفترة داخل بيئة الحوزة يفكرون بالعمل بعقلية الفقه والأصول بحيث لا يقبلون على إنجاز عمل ما لم تضمن درجة نجاحه مائة بالمائة, بينما العمل الاجتماعي يقوم على الحدس الاجتماعي الذي يتكون من خلال التفاعل مع الناس والعالم ودراسة تجارب الآخرين.p>

وقد كان السيد الصدر صاحب هذه الكلمات والشيخ محمد أمين زين الدين وطائفة أخرى من العلماء العاملين يعانون من هذه المشاكل, إلا أنهم لم يستسلموا ولكن لنرى ماذا فعل فقيدنا من جهته إزاء هذه المشاكل:

ثقافة جديدة مؤطرة بإطار الإسلام تعتمد الدراسة الأدبية ومطالعة الكتب الثقافية في مختلف المجالات.

تعامل فيه روح التضحية والإيثار وتقديم مصالح كيان الحوزة على مصالحه الذاتية.

العمل على التجديد في أساليب الدعوة والتبليغ الإسلامي.

ولا بد من كلمة قصيرة عن منهجه في التفكير وطريقته في الكتابة والتعبير.

كان عقلي المنهج في البحث العقائدي يستدل بمبادئ المذهب العقلي من السببية ومبدأ عدم التناقض, لكنه لم يقتصر على مبادئ هذا المنهج وأسسه وإنما كان يساند نتائجه بمقتضيات الفطرة والوجدان, كما كان يعتمد المنهج الاستقرائي التجريبي في الموارد التي يحق لهذا المنهج أن يسير فيها لهذا اعتمد كثيراً على الإحصاءات والظواهر في المجالات التي يصح الاستنتاج من خلالها.
وبهذا نستطيع أن نقول أنه يتبع المنهج التكاملي الذي يعتمد أسس الفطرة والوجدان وأسس المنهج العقلي كما تستفيد من العلم والاستقراء في الموارد الخاصة المحدودة, هذا كله حين يتناول البحث العقائدي العام أما حين يدخل في التفاصيل فهو يستند إضافة إلى ما تقدم على النصوص القرآنية والأحاديث المروية عن المعصومين أي أنه يضيف منهج النقل إلى منهج الفطرة والعقل ويظهر تطبيقه لهذين المنهجين واضحاً جلياً في كتبه الثلاثة الإسلام, مع أحمد أمين في المهدي والمهدوية, الحجاب بين السلب والإيجاب وإن كان ظهور المنهج العقلي أقوى في كتابه الأول وظهور المنهج الثاني أقوى في الكتاب الثاني ولعل الكتاب الثالث جمع بين الاثنين متوازناً..
ومنهجه في تفسير القرآن كان المنهج المشهور عند أتباع أهل البيت (ع) حيث هو منهج تفسير القرآن بالقرآن وبالنص الثابت عن المعصومين وكان يساعده على استنتاج أفضل النتائج التفسيرية قدرة فائقة في مجالات اللغة الأدب وكان قريباً من ممارسة التفسير الموضوعي حين يبحث مستدلاً على فكرة أو مفهوم وثقافة المفسر العامة لها دور كبير في نجاح عملية التفسير الموضوعي وكان هو من طليعة المثقفين في بيئة النجف الأشرف، وكان يستفيد من أسباب النزول.
ووللشيخ كتابة قرآنية فريدة تمثلت في كتيب (من أشعة القرآن) تضمنت الحديث عن جملة من المسائل التي تعرض لها القرآن الكريم وكشفت هذه الكتابة عن منهجه في استنطاق كتاب الله سبحانه.

ووقد سبق الشيخ زين الدين إلى استفادة مفردات العقيدة التفصيلية من القرآن الكريم ويظهر جهده الكبير هذا في كتابه ( الإسلام ) واعتمد بشكل هام على الظهور العرفي للآيات الكريمة ولم يرجع في تفسير هذه الآيات إلى أي من المرويات باستثناء أسباب النزول كما فعل ذلك في تحديد و توضيح معنى الآية الكريمة (( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً )) (الإنسان:8).

إلا أنه في الاستنباط يرجع إلى الروايات التي تحدد المعاني في الآيات القرآنية تخصيصاً وتقليداً أو بياناً وتفسيراً شأنه في ذلك شأن الفقهاء جميعاً ، وبناء على هذا يكون منهجه التفسيري كالتالي:
تفسير القرآن بالقرآن
تتفسير القرآن بالظهور العرفي

تتفسير القرآن بالحديث والتاريخ الذي يذكر أسباب النزول
ووأما منهجه في الاستنباط فهو رغم أنه قد تخرج على المجتهدين الأصوليين لكنه لم يجاهر بطريقة يفضلها على طريقة كأنه يرى أن كل أصولي لابد أن يطبق قواعده على النصوص (خصوصاً الأخبار) وبهذا يكون الأصولي ممارساً بطريقة الأخباريين في البحث عن دلالات الأخبار وإن كان قد يناقش في الأسانيد والأخباري لا بد له من أسس وأصول يعتمدها في فهم الدلالات وفي علاج حالات التعارض وهذا بحث أصولي وفضل الشيخ الفقيد حفاظاً على الوحدة المذهبية أن لا يجاهر بمنهجيته فترك مسائل التقليد وتفصيلاته في رسالته العملية وأجاب على بعض التفاصيل في مسألة التقليد في استفتاءات وجهت إليه وكان بهذه الطريقة مرجعاً للأصوليين والأخباريين.
أما منهجه في عرض الفقه والشريعة فقد تميز بما يلي:/p>

اليسر والتوضيح والشرح والبيان من خلال العبارة المشرفة والتمثيل

االتوسع في طرح الفروع

تتطعيم بعض المسائل بالاستدلال الميسر بالآيات القرآنية والأحاديث

تتوضيح أهمية الفروض والتشبيهات
كل هذه الميزات كانت من أجل تحقيق هدف كتابة ( الرسالة العملية ) والهدف أن تكون دستوراً عملياً للمؤمنين كما فعل ذلك الإمام الشهيد الصدر في الفتاوى الواضحة.
ومنهجه في دراسة المفاهيم الإسلامية هو المنهج التكاملي أيضاً وقد تحدث عن الأساس المتين الذي لا بد من تأسيسه في كل بحث مفاهيمي أو أخلاقي, هذا الأساس هو العقل, يقول بهذا الشأن في كتابه الإسلام ينابيعه مناهجه غاياته:
طبيعي أن يكون العقل أول ناحية من الإنسان تنصرف إليها عناية الدين وأحقها بالمزيد من تهذيبه, فالعقل أسمى موهبة يختص بها الإنسان وأولى ميزة يرتفع بسببها عما حوله من الكائنات.

والعقل هو المصدر الأول لأفكار الإنسان والملتقى الأعظم لتصوراته, الحق منها والباطل, المنتج منها والعقيم, الرفيع منها والوضيع.

وللعقل إشراف تام أو ناقص على صفات المرء التي يكتسبها للتخلق, وعلى مراميه التي يندفع نحوها بالرغبة, وعلى أعماله التي يصدرها بالاختيار.

والعقل من وجهة خاصة هو المجال الأول للدين, فقد علمنا أن الدين هو منهاج الإنسان إلى كماله الأعلى الذي يبلغه بالاختيار, والتفسير الواضح لذلك: أن الدين هو المنهج القويم لتزكية العقل في ذاته وتوجيهه للرشد في سلوكه وهذا ما نهج إليه كل دين فيما نعلم, فإن العقيدة من كل دين هي الأساس المتين الذي يقوم عليه هيكله أو الدعامة المكينة التي تشد بنائه.

ومن أجل ذلك وجب أن تكون العقيدة جلية لا أثر فيها للغموض, وثابتة لا مجال فيها للتزلزل, ويقينية لا ظل فيها للريب, لأن العقيدة وظيفة عقلية في مرحلتها الأولى والعقل صريح في أحكامه لا يقبل من الوظائف ما فيه وهن أو اضطراب.

منهجه في دراسة الأخلاق

تناول في كتابه عن الأخلاق جملة مسائل عن الأخلاق عند الإمام الصادق (ع) حيث تحدث عن ثمانية محاور هي:

1- تعريف الخلق.

2- السعادة والخير.
3- الاعتدال والانحراف.

4- الإنسانية الكاملة.

5- الضمير.

6- الفضائل الفرعية وتحدث هنا عن الحكمة والعدل بأقسامه والعفو والقناعة والشجاعة والعزة والكبرياء والتواضع والصدق والكذب والإخلاص والوفاء والحب والصداقة.
7- ميزان الخلق الصحيح.

8- أصول العلاج عند الخليقتين.
كما تناول في رسالته العلمية ( كلمة التقوى ) الجزء الثاني عدة مسائل أخلاقية ونفسية تحت عنوان الأمر بالمعروف ومجاهدة النفس ولم أجد من الفقهاء من تناول هذه المسائل بهذه السعة والمنهجية.

كذلك تحدث عن أصول العلاج النفسي في كتابه "إلى الطليعة المؤمنة" ثم العرض السليم الميسر والاستدلال بالنصوص والأحكام الفطرية الوجدانية والتدرج في إعطاء وصفات العلاج حين يتحدث عن المشاكل الأخلاقية والنفسية.

إن شخصية المرجع الشيخ زين الدين كانت مجمعاً لعدة صفات فهو من الناحية العقلية والفكرية كان المثقف الذي استطاع أن يقرأ كتابات عصره، ويتقن لغة هذا العصر، ويتخاطب بهذه اللغة ويتعرف على مشاكل أبناء جيله، وحاول جاهداً البحث عن الحلول المناسبة لها..

وكان يطمح إلى التجديد في طريقة عرض مفاهيم الإسلام، وأفكاره بنفس الدرجة التي كان يسعى فيها للبحث عن أفضل المناهج في تناول ودراسة الأفكار.

كما كان على هذا المستوى متفاعلاً مجانباً لأهل الجمود والتحجر، واستطاع بعقليته وذهنيته المشبعة بالإسلام أن يتعامل مع القرآن الكريم أفضل ما يكون تعامل العالم الرباني الذي يهتم بالقرآن حفظاً وتدبراً وبحثاً في آياته عن حلول مشاكل العصر..

وساعده على النجاح في هذه المهمة قدرة لغوية وأدبية أصيلة وبهذا المستوى من الاهتمام كان تعامله مع النصوص المأثورة عند المعصومين أما من الناحية الروحية والنفسية والعاطفية فيجمع الذين عايشوه وعاشروه أنه كان يهتم بالآخرين ويحترمهم ويتواضع لهم ويحنو عليهم ويعيش مشاكلهم ويستمع لصغيرهم وكبيرهم وقد صنع لنفسه بهذا الخلق الفاضل قدوة للعالم المربي والهادي المرشد كيف لا يكون كذلك وهو يعيش المحبة, والتواضع, والرفق, والحنان كل ذلك لا ينطلق فيه متكلفاً أو متصنعاً.

كان هذا هو خلقه الذي لا خلق له غيره وطبعه الذي لم تغيره الظروف والأيام فقد استطاع في هذه السجايا أن ينمي جيلاً من شباب الجامعات والحوزة العلمية, ونما هذا الجيل وهو يتشرب هذه الأخلاق ويكبر في الإسلام أن يصنع نماذج هداية ومواطن قدوة أمثال شيخنا الفقيد.
كيف ستكون علاقة الشباب بعالم من الطراز الأول في مجال الفكر الإسلامي ومفكر لم تشغله أفكاره عن الاهتمام بالناس ولم يتكبر بعلمه بل هو يتواضع ويتواضع كلما ازداد علمه وهم يرون هذا العالم المربي يرعاهم في بيته ويرعاهم حين يقطع المسافات الشاسعة ليستثمر مواسم العطلة في أعدادهم وتربيتهم وليس من السهل أن يجمع كل من عاشر الشيخ الفقيد على أنه كان مربياً بصمته قبل أن يكون مربياً بلسانه وكان قدوة بسلوكه قبل أن يكون قدوة بكلامه, وقد كنا نرى فيه نموذج العالم العامل وقدوة المفكر المربي.
وأما من الناحية السلوكية فقد كان إسلاماً يتحرك وشريعةً تمشي وأخلاقاً فاضلة تجسدت في سلوك يومي, استطاع بالتزامه الكامل بالإسلام أن يكون مطمحاً للمرجعيات, ومطمحاً لعامة الناس, وقد كلفه المرجع الديني في فترة من فترات حياته أن يتصدى للرد على المفترين على عقيدة أهل البيت عليهم السلام لما رآه هذا المرجع من دأبه وحرصه على الدفاع عن عقيدته وإخلاصه في عمله ودقته في النقد.
كان دائم العمل متواصل الحركة فهو في النجف له تلاميذه ومريدوه, وله زواره ورواد مجلسه وهكذا الحال في البصرة, ونفس الصورة تتكرر في البحرين. لم يعرف الراحة والاسترخاء وكأنه يراها حراماً على الدعاة والهداة.
لم ينجح يوماً بأنه على هذا النشاط والدأب وإنما كان يدعو الله أن يوفقه للمزيد..

واقتبس هذا المقطع من رسالة له إلى أحد مراجع الدين ( فشاء الله وله المنة والفضل على جميع صنعه أن يبتلينا وإياكم لخدمة شرعه الحنيف ويبوئنا مقام الذب عن بليغ حجته وإرشاد عبيده إلى قويم نهجه وهذا كما جعلنا موضعاً لرعايته ضاعف من مسؤولياتنا فجعلنا أكبر من أن يتهاون في أمرها وأدق من أن يستهان بتبعاتها ومنه تعالى نسأل أن يعيننا على ما ابتلانا ويوفقنا للوفاء لما ألزمنا إنه سميع مجيب ).

هل تعتقد أن هذه الرسالة صدرت من عالم تجاوز الثمانين عاماً, إن من يقرأ هذه الكلمات يعتقد أن قائله في عنفوان الشباب وفي قمة النشاط.

وأخيراً أقول أن شيخنا الفقيد المرجع الديني والمفكر الإسلامي والعالم المربي الشيخ محمد أمين زين الدين بعقليته وفكره ومنهجه من جهة وبروحيته وعاطفيته من جهة ثانية وبسلوكه والتزامه العملي بالإسلام من جهة ثالثة استطاع أن يون محلاً لرعاية الله فيكون المحبوب مصداقاً لقوله تعالى (( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً )) (مريم:96)

وأن يكون كذلك محلاً لرعاية الله الذي جعل له لسان صدق في الآخرين لأنه كان أمة في فكره وعاطفته وسلوكه, في بيئته وعصره .
وبهذه السيرة العطرة ينبغي أن يعيش العاملون للإسلام والعالمون بأحكامه وشريعته نسأل الله سبحانه أن يكتب لنا التوفيق لخدمة دينه كما وفق فقيدنا الغالي وأن يسد الثلمة التي ثلمت في الإسلام بفقده أنه نعم المولى ونعم النصير