هنالك بيت شعر ينسب الى الامام علي عليه السلام (اعمل لدنياك كأنك تعيش ابدا، واعمل لاخرتك كأنك تموت غدا) وقد تعدد تفسيره او تنسيبه وبالنتيجة هل ينطبق هذا البيت على الواقع الذي يريده الاسلام ام القبول بنصفه الذي يخص الاخرة ورفض الذي يخص الدنيا ؟ ام رفضه جملة وتفصيلا ؟
ان كلمات هذا البيت الشعري من وجهة نظري جاءت من صلب الاسلام اذا ما فسر بشكل صحيح ، وحتى نصل الى الشرح المستقيم له لابد من الاشارة الى بعض المفاهيم التي تعتبر كمدخل للشرح .
في الاسلام الاحكام التكليفية خمسة اقسام ( حلال ، حرام، واجب، مستحب، مكروه) هذه افعال البشر التي تضمن حق الله وحق العبد وحقوق العباد فيما بينهم ضمن ضوابط الشارع المقدس، في الدنيا ايضا احكامها تنقسم بنفس التقسيمات الاسلامية ، ولكن كيف نفرق بين عمل الاخرة وعمل الدنيا ؟
هذا البيت الشعري له حديث عن رسول الله صلى الله عليه واله يؤيد مضمونه الا وهو ” فاعمل عمل من يرجو أن يموت هرما واحذر حذر من يتخوف أن يموت غدا ” .
نعود لاعمال الدنيا والاخرة التي هي بحد ذاتها اخروية ودنيوية، لانه هنالك ظروف خاصة قد تغير الحكم، ولنبدا بماهية الاعمال الاخروية التي تضع في حساباتك كانك تموت غدا ، من هذه الاعمال منها العبادية فهنالك من يخدع نفسه بطول الامر ويعلم ان الصلاة والصوم وبقية العبادات مطلوبة منه الا انه يامل مغفرة الله لذنوبه عندما يتوب بعد كذا سنة ، او عليه حقوق شرعية ومتمكن من تسديدها فيتقاعس بان الحياة مستمرة وسيؤدي ما عليه غدا ، او انه تحققت الاستطاعة للحج ولا يحج ليؤجلها على السنة الثانية ، او ان هنالك مسالة عالقة فيها اشكال شرعي مع الاخر فيتوانى في انجازها بحجة طول الامل ، وهكذا فالاعمال التي هي واجبة يجب القيام بها اليوم قبل غدا وتضع في حساباتك ان الموت ياتي بلحظة ولا احد يامن منه ، وكذلك المحرمات تجنبها اليوم قبل غدا لانك لا تضمن العيش الى غد .
اما الاعمال الدنيوية التي فيها لله رضا وللناس صلاح فلا يجب ان نهملها بحجة انها غير واجبة اسلاميا او لم يتطرق لها الاسلام تصا بالاسم واذا لم يقم بها سوف لا يحاسبه الله او يعيش الياس عندما يكون العمل الدنيوي الذي يحقق له رغبة شخصية لا تتضارب مع الشارع المقدس بحجة من سيعيش الى غدا .
مثلا العلم الحديث الذي جعل العالم يتطور ويبني امالا لتطويره لعشرات السنوات مستقبلا ولا يفكر بالموت بل يفكر بانجازه وفي نفس الوقت يوصي غيره بان يكمل المشوار من بعده فانه يعمل من اجل المستقبل ، بعيدا عن الالتزام الديني فكثير من العلوم التطويرية التي اقتحمها الغرب وقطع شوطا طويلا فيها بحيث جعلهم في مصاف الدول المتطورة علميا لانها فكرت قبل سنين كيف سيكون حالها اليوم الذي تحقق وهي تفكر كيف سيكون حالها مستقبلا فتعمل من اليوم الى ذلك المستقبل ولا يفكرون بالموت بل يفكرون به بشكل دنيوي بحيث يحافظون على استمرارية العمل اذا ما فقد احدهم سواء مرض او موت .
اما من يكون شغله الشاغل الموت اكثر من الحياة وفق معادلة خاطئة فانه سيترك الدنيا بلا ذكر طيب والحديث النبوي يؤكد على ان العبد اذا مات انقطع عن الدنيا الا في ثلاث وهي الصدقة الجارية التي لا تات الا من المتمكن ماديا والمتمكن هو الذي يعمل باستمرار مع طول الامل بناء عمارات ومصانع وما سابه ذلك، فيكون له رصيد مالي يمكنه من ذلك ، وعلم ينتفع به ، وهذا هو المهم العلم لا يكون حصرا بالفقه بل بكل العلوم التي تخلد الانسان وفي الغرب هنالك علماء يخلدهم مجتمعهم بل حتى نحن المسلمين نثني عليهم ، وولد صالح وهذا المهم الذي يحث عليه الاسلام فعندما تحسن تربية ولدك اليس لاملك بالمستقبل بان يكون ولدا صالحا ؟ هذا هو المطلوب فعملك وعلمك ايضا يجب ان تفكر بهما للمستقبل ولا تركن الى العبادة دون الدنيا فتكون عبء على عائلتك وعلى المجتمع وعلى الاسلام، والعبادة تاخذ اقل من ربع عمرك، بقية عمرك اين تفنيه؟
اليوم ونحن نعيش عصر كورونا ، لاحظوا الحياة توقفت وفي نفس الوقت المسلمون ياملون من الغرب الذين شغلتهم الدنيا بان يبتكروا العلاج للدواء لماذا لان لديهم رصيد علمي في هذا المجال وسيصبح تاريخ لهم، نعم بناء الانسان دينيا ومعنويا ليست صحيحة عندهم بدليل ما يقوم به الغرب من عدم تماسك وتآزر لمواجهة الوباء فهنالك اعمال سرقة حدثت وانتقائية في العلاج كما حصل في ايطاليا بل الاتحاد الاوربي كل دولة تفكر بشانها ولا علاقة لها بجارتها وفي نفس الوقت، يفكرون ويعملون من اجل العلاج .