أوائل القرن الماضي، زالت الإمبراطورية العثمانية، التي كانت مهيمنة على قلب العالم القديم ومنه منطقتنا العربية، كنتيجة من نتائج الحرب العالمية الأولى، التي جاء معها الإستعمار الجديد، وكان ظهور المد القومي في كثير من بقاع العالم، يمثل النتيجة الثانية لتلك الحرب المدمرة، التي قتل فيها أكثر من 50 مليون إنسان، وكان من الطبيعي ظهور المد القومي؛ لتقوقع الأمم حول نفسها اولا، وتنفيذا لأجندات الغرب المسيحي المنتصر بالحرب الكونية ثانيا..
جرى التخطيط لظهور القوميات بشكلها الإنغلاقي الصارم؛ من قبل الماسونية العالمية، وكانت منطقتنا أحد حقول هذا النشاط الإستحواذي، الذي إقتضى نشره مواجهة حتمية شرسة مع الأديان، وإحلال الفكر القومي محلها تارة، وفي أماكن أخرى، كانت العلمانية بمواجهة الأديان تارة أخرى..
في أربعينيات القرن الماضي، وأثناء الحرب العالمية الثانية، تفتق خبث الماسونية العالمية وتخطيطها المحكم؛ لتحقيق أهدافها بالهيمنة على العالم، عن إستيلاد مسخ مشوه، بزواج مشبوه بين العلمانية والقومية، وكان هذا الوليد مجموعة من الأحزاب؛ في مناطق مختلفة من العالم، تفاوتت درجة قوميتها عن علمانيتها بنسب مختلفة.
بيد أن حزب البعث العربي الإشتراكي، الذي أسسه مجموعة من الإنجيليين (المسيحيين اليهود) في المنطقة العربية، وفي طليعتهم ميشيل عفلق، (أمه يهودية) وشبلي شميل العيسمي (أمه يهودية)، ونيقولا الفرزلي..كان أكثر الأحزاب القومية العلمانية، تجسيدا للفكر الماسوني..وأشدها إلتزاما بتنفيذ مخرجاتها وخططها.
بين الأعوام 1940ـ 1947 تأسس حزب البعث، الذي أعلن عن وجوده رسميا في نيسان 1947، أي قبل أن يظهر الكيان الصهيوني الغاصب الى الوجود بعام واحد، وكان الهدف المعلن لتشكل حزب البعث؛ هو الوقوف بوجه الصهيونية وأهدافها، لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، لكنه بالحقيقة كان أحد أدواتها لتخدير العرب، ولمواجهة الصحوة الإسلامية؛ التي كانت بواكيرها قد بدأت، لأن الصهيونية تعرف أن ما من قوة في العالم، تستطيع إجهاض مخططاتها؛ مثل العمل الإسلامي المنظم، الذي بدأت به الصحوة الإسلامية.
في كتابه (في سبيل البعث) يذهب ميشيل عفلق؛ الى ان اساس الحزب هو الوحدة العربية, ويتحقق هذا لو تجرد العرب عن الدين والمذاهب، فهذه مظاهر الرجعية, وعليهم ان يضعوا قيم الانسانية نصب اعينهم..فواضح جدا ان عفلق ينكر تماما دين الاسلام، الذي يدين به اغلب العرب ويراه من مظاهر الرجعية!
يكرس الحزب سياسته التربوية لخلق جيل عربي قومي يؤمن برسالة الحزب ويكفر بكل ما عداه، فقال شاعرهم: (آمنت بالبعث رباً لا شريك له .. وبالعروبة ديناً ما له ثان) وقال الملحد إبراهيم خلاص فيلسوف الحزب في العراق: الطريق الوحيد لتشييد حضارة العرب وبناء المجتمع العربي؛ هو خلق الإنسان الاشتراكي العربي الجديد/ الذي يؤمن بأن الله والأديان والإقطاع، ورأس المال وكل القيم التي سادت المجتمع السابق، ليست إلا دُمَى محنطة في متاحف التاريخ.
لم يخف حزب البعث سعيه بالوصول الى السلطة بأي وسيلة، ومن بينها هدم القيم والدماء والإنقلابات العسكرية، وخلال الإعوام العشرة بعد تأسيسه 1947، أصبح شريكا في الحكم في سوريا ومصر (الجمهورية العربية المتحدة ـ 1956)، وفي العراق بعد إنقلاب 14 تموز1958، وفي شباط وآذار 1963، أصبح البعث الحاكم الفعلي في العراق وسوريا.
بدأت منذ ذلك التأريخ مسيرة الدم، والى يومنا هذا لم يتوقف النزيف بسبب وجود هذا الحزب في الساحة العربية، وأمتد تأثيره السلبي الى لبنان والأردن وفلسطين المحتلة واليمن والسودان، وحيثما يوجد "بعث" فإن هذا يعني الدم والإرهاب والإغتيال السياسي.
على الرغم من صخب البعث حول القضية الفلسطينية، وشعاراته الجوفاء عن (الوحدة والحرية والإشتراكية)، إلا أن الواقع يكشف عن حقيقة ساطعة، هي أن البعث؛ كان أحد وسائل إنهاك الحق العربي في فلسطين وتضييعه..
عام 1968، نزى البعث مرة أخرى على سدة الحكم في العراق، بعد أن غادرها لفترة وجيزة؛ من نهاية 1964 لغاية تموز1968، لتبدأ المجازر على أيادي البعثيين، الملطخة بدماء العراقيين والى يومنا هذا.
عام2003 أزاحت الماسونية العالمية البعث عن الحكم بالعراق، لحساب وليدها الجديد تنظيم القاعدة.عام2014، وحدت البعث من تنظيم القاعدة، لينتج الوليد الجديد داعش..
عام 2019 أخرجت الماسونية البعث من جحره، للهيمنة على العراق مجدا؛ ولكن بثياب الجوكر..!