×

أخر الأخبار

الاسطر النورانية للسيد الشهيد محمد باقر الصدر (قدس)

  • 27-01-2020, 10:31
  • 440 مشاهدة
  • محمد باقر الصدر

لماذا يحصل العنف والقتل؟
ماهي الارضية التي ساعدت على ذلك؟
وكيف يمكن التغلب على هذه المحن؟
السيد الشهيد محمد باقر الصدر (قدس) يبين لنا ذلك من خلال الاسطر النورانية التالية:
يقول قدس سره:
قلنا إنّ المفهوم القرآني عن المحنة- أيّ محنة- يؤكّد أنّ الإنسان الممتحن والجماعة الممتحنة تتحمّل مسؤوليّة وقوع هذه المحنة بما قدّمت من عمل.
حينما يظهر الفساد في البرّ والبحر يقول القرآن الكريم: إنّ هذا الفساد الذي ظهر في البرّ والبحر هو نفس ذاك العمل الذي قدّمه الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلّهم يرجعون‏. فالمحنة هي في الواقع تجسيد بشكل مرير للأعمال المسبقة التي قامت بها الجماعة الممتحنة «وَ ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ» هي تجسيد للأعمال التي قدّمها الناس أنفسهم، وهي في نفس الوقت موعظة ونذير من اللَّه سبحانه.
إنّ منطلق المصيبة والمحنة هو تلك الأرضيّة النفسيّة التي عشناها طيلة الزمن الذي تقدّم وسبق هذه المحن. هذه الأرضيّة النفسيّة لم تكن أرضيّة نفسيّة صالحة لكي تنشأ ضمنها أساليب‏ العمل‏ الصالحة، ولكي تؤتي هذه الأساليب ثمارها.
(فالقتل والعنف والخطف والاعتداء بكل اشكاله...هي اساليب تولدت من الارضية النفسية الغير صالحة لبعض افراد المجتمع طيلة الفترة السابقة....فوقع ما وقع وحصل ما حصل كنتيجة طبيعية لهذه المقدمة)
يقول قدس سره:
هذه الأرضيّة النفسيّة التي عشناها والتي كانت ولا تزال تساهم في خلق المشاكل في طريقنا، وفي تكوين المحن في وجوهنا، هذه الأرضيّة النفسيّة أستطيع أن ارجعها بالتحليل إلى عاملين نفسيّين أساسيّين، وهما- بالرغم من كونهما عاملين- هما مرتبطان كلّ الارتباط فيما بينهما:
أحد العاملين: هو عدم الشعور التفصيلي بالارتباط باللَّه تعالى.
والعامل الآخر: هو أنّ الأخلاقيّة التي كنّا نعيشها ليست أخلاقيّة الإنسان العامل، بل هي أخلاقيّة إنسان آخر لا يصلح للعمل الحقيقي.
وإذا كنّا نريد أن نستفيد من هذه المحنة، وإذا كنّا جادّين في الحساب، فلا بدّ أن نرجع إلى هذين العاملين الأساسيّين لكي نستطيع أن نتيح لأنفسنا فرصة التكفير عمّا سبق بالنسبة إلى كلّ من هذين العاملين عامل (عدم الشعور بالاتّصال باللَّه بالدرجة الكافية) وعامل (أخلاقية الإنسان اللاعامل).
(واذا كنا نريد ان نحافظ على سلمية الاحتجاجات والحفاظ على الامن والاستقرار ؟!! لابد لنا من التكفير عما سبق من عدم الشعور التفصيلي بالله ومن اخلاقية انسان لا يصلح للعمل الحقيقي)
(سنقتصر في هذا المنشور على العامل الاول:عدم الشعور التفصيلي بالله بالدرجة الكافية)
يقول قدس سره:
إنّ الاتّصال باللَّه تعالى يجعل الإنسان قادراً على أن يدعو ويترقّب من اللَّه الاستجابة، أمّا إذا كان نسي اللَّه تعالى أيّام رخائه، قد ترك اللَّه ودينه، تركه ومحنته، تركه ومشاكل رسالته، وكان لا يفكّر في اللَّه وكان يفكّر في نفسه لا في اللَّه .. حينئذٍ كيف يمكن أن يرجو هذا الإنسان أن يمدّ يديه إلى السماء- حينما يقع في محنة- فيستجيب اللَّه دعاءه؟
ولماذا يستجيب اللَّه دعاءه!!
ولماذا يستمع إلى لسان لم يلهج بذكر اللَّه!!
وإلى يدين لم تتحرّك في طاعة اللَّه!!
وإلى قلب لم ينبض بالحبّ للَّه‏تعالى!!
نحن لا يمكننا أن نترقّب استجابة الدعاء إلّا إذا كنّا نعيش حالة الاتّصال باللَّه وكنّا قد عبّأنا وجودنا وقوانا للَّه‏ سبحانه وتعالى، حينئذٍ يمكن أن [نطلب‏] من اللَّه سبحانه وتعالى الإمداد والمعونة والتغلّب على كلّ المشاكل والمحن.
[محنة يوسف بن تاشفين:]
المسلمون في إسبانيا حينما تعرّضوا في القرن الخامس لغزو مسيحي من قبل إسبانيا المسيحيّة عندما تعرّضوا لهذا الغزو استنجدوا بأمير المغرب (يوسف بن تاشفين)، يوسف بن تاشفين قام مع جيش جرّار، عَبَرَ البحر إلى إسبانيا لكي ينقذ المسلمين في إسبانيا من الغزو المسيحي الذي كان يهدّد كيانهم‏.
تقول القصّة:
إنّ يوسف بن تاشفين حينما نزل البحر مع كلّ اسطوله وجيشه تحرّك ماء البحر وهبّت عاصفة شديدة جدّاً كادت أن تقضي على الاسطول، حينئذٍ يوسف بن تاشفين وقف في وسط جيشه، ورفع يديه إلى اللَّه سبحانه وتعالى، قال ما مضمونه: يا ربّ أنت تعلم
 أنّي لم أترك بلادي، لم أترك أرضي، لم أعبر هذا البحر، لم اقرّر أن أطوي هذه المسافة من قارّة إلى قارّة (من أفريقيا إلى أوروبا) لم أتحمّل خطر الموت على نفسي، على أهلي، على ولدي، على جيشي، خطر تفتّت مملكتي هناك، لم أتحمّل كلّ هذه الأخطار إلّا في سبيل حماية دينك ورسالتك في إسبانيا، في سبيل الحفاظ على المسلمين وعلى الوجود الإسلامي في اوروبا، في سبيل ذلك قمت. اللهمّ فإن كنت تعلم أ نّي حسن النيّة في ذلك، وإن كنت تعلم أنّ وصولي إلى أسبانيا، إلى الشاطئ فيه خير للإسلام والمسلمين ... اللهمّ فأسكن عنّا هذه العاصفة وأزلها عنّا!!
يوسف بن تاشفين لم يكن إماماً، أنا امثّل بيوسف بن تاشفين؛ لأنّه شخص من الناس، لا يمكن أن يقال بأنّه أفضل من أيّ واحد من عندنا بحسب الموازين الاعتياديّة، ليس هو الإمام عليّ عليه السلام، ليس هو الإمام الحسين عليه السلام، ليس هو أحد المعصومين عليهم السلام، هو إنسان من المسلمين لكن هذا الإنسان من المسلمين وضع كلّ قواه في سبيل اللَّه تعالى، هاجر من بلده في سبيل اللَّه تعالى، كان يشعر شعوراً تفصيليّاً بالاتّصال باللَّه تعالى. هذا الشعور التفصيلي بالاتّصال باللَّه تعالى جعل من حقّه أن يدعو، وجعل من حقّه أن يتوقّع الاستجابة من اللَّه تعالى.
تقول الرواية التاريخيّة:
ما أتمّ الأمير يوسف حديثه ودعاءه مع اللَّه تعالى إلّاوسكن البحر، وهدأت‏ العاصفة، وتغيّرت كلّ الملابسات إلى صالح السفرة، حتّى وصل يوسف بن تاشفين سالماً إلى الشاطئ، واستطاع أن يقضي على الغزو المسيحي ويؤخّر من مأساة الإسلام في إسبانيا أربعة قرون‏.
بقي الإسلام أربعمئة سنة بعد هذا الحادث، بعد غزو يوسف بن تاشفين للمسيحيّين الذين كانوا مجاورين للأندلس. ثمّ بعد أربعمئة سنة، المسلمون هم المسلمون، كانوا يشهدون أن لا إله إلّا اللَّه، وأنّ محمّداً رسول اللَّه، كما كان يشهد المسلمون في عصر يوسف بن تاشفين، ولكنّهم كانوا نسوا اللَّه تعالى، وانقطعوا عنه، وانصرفوا إلى لهوهم وفسقهم، وتراكمت في حياتهم الذنوب، لم يكونوا يعيشون للَّه‏ تعالى .. بعد أربع مئة سنة اضطرّ ملك المسلمين في غرناطة- البلد الأخير الذي بقي للمسلمين في إسبانيا- اضطرّ إلى توقيع وثيقة الاستسلام، إلى توقيع وثيقة التنازل عن الإسلام والوجود الإسلامي، إلى توقيع وثيقة فناء الإسلام في كلّ إسبانيا، اضطرّ إلى توقيع هذه الوثيقة.
تقول الرواية: إنّه قبل أن يوقّع هذا الملك المسكين التعيس وثيقة إعدامه، وإعدام دينه وعقيدته وامّته في ذلك البلد نظر نظرة، ثمّ قال: أشهد أن لا إله إلّا اللَّه، وأشهد أنّ محمّداً رسول اللَّه. فضجّ الامراء الذين كانوا حوله قائلين: أشهد أن لا إله إلّا اللَّه، وأشهد أنّ محمّداً رسول اللَّه. قال: ولكن لا رادّ لقضاء اللَّه، ولا رادّ لأمر اللَّه تعالى. ثمّ وقّع على هذه الوثيقة التي أدّت إلى فناء الإسلام في إسبانيا
هل كانوا مسلمين؟!!
نعم كانوا مسلمين!! كان يريد أن يؤكّد إسلامه في آخر لحظة! وقّع على وثيقة إعدام الإسلام، وتشهّد الشهادتين حينما وقّع على هذه الوثيقة ! لكن ما قيمة هاتين الشهادتين؟! لأنّه لم يذكر الشهادتين إلّاحينما واجه خطر هذه الوثيقة، إلّاحينما أصبح ملكه وسلطانه كلّه في غمرة هذا الخطر. كان هذا الرجل نفسه وكان غيره من الامراء المحيطين به يعيشون حالة التفتّت والتناقض والانشغال بأمرهم عن اللَّه إلى اليوم الأخير من حياتهم؛ لهذا لم ينفعهم شعورهم بالاتّصال باللَّه في اللحظة الأخيره، في لحظة الغرق هذا لم ينفعهم.لا بدّ من أن يعيش الإنسان خطّه الطويل متّصلًا باللَّه تعالى حتّى يمكنه أن يترقّب من اللَّه الاستجابة لدعائه، والإمداد والمعونة، المساندة والمعاضدة له في عمله.
(فعدم الشعور التفصيلي بالله ...هو احد العوامل التي تؤدي الى القتل والخطف والاعتداء بكل اشكاله والى عدم تحقق سلمية التظاهرات والى عدم تحقق الاصلاح الحقيقي المؤمل للحراك الشعبي..وما من حل الا بالرجوع التفصيلي لله سبحانه وتعالى)