×

أخر الأخبار

العمارة الأجنبية في العراق قصة سد دربنديخان

  • 12-11-2021, 16:41
  • 442 مشاهدة
  • د. صلاح عبد الرزاق

وهو أحد أكبر السدود العراقية وثاني سد في محافظة السليمانية. والسد من إنجازات مجلس الإعمار العراقي في العهد الملكي. إذ بدأ العمل ببنائه عام ١٩٥٦ واكتمل وافتتح رسمياً في ٢٧ تشرين الثاني عام ١٩٦١ من قبل الزعيم عبد الكريم قاسم ليعد واحداً من إنجازاته. أنشآ السد على نهر ديالى بالقرب من بلدة دربنديخان.

الشركة المنفذة للسد
قامت شركة هارزا Harza الأمريكية بتصميم السد واستغرق البناء خمس سنوات حتى تم لأول مرة خزن المياه فيه عام ١٩٦١ . وهي شركة مختصة بأعمال السدود والنواظم ومشاريع الري، ولها أعمال في أنحاء العالم وكذلك في العراق منذ بداية الخمسينيات من القرن العشرين. وتولت شركة سترايت وبريس الفرنسية تنفيذ النفق المحول في السد.

يقع مقر شركة هرزا في شيكاغو بالولايات المتحدة، ،هي شركة تهتم بمصادر المياه ولها إنجازات ناجحة في أمريكا وخارجها، ومنها سد دربنديخان الذي كان يعد آنذاك أطول سد ركامي في العالم. وصممت سد رضا شاه الكبير في ايران الذي كان واحداً كأرفع سد خرساني مقوس بني حتى ذلك الوقت. كما بنت الشركة مشروع غوري Guri في فنزويلا الذي يعد أكبر مشروع هيدروليكي في العالم.

مؤسس الشركة هو الأمريكي ليروي فرانسيس هارزا Leroy Francis Harza  (١٨٨٢-١٩٥٣) كان تلميذاً للبروفسور دانييل مياد Daniel W. Mead رئيس قسم الهندسة المدنية في جامعة ويسكونسن في ماديسون بأمريكا. في مطلع القرن العشرين أسس مياد (الممارسات الهندسية المستقلة) لأول مرة. وكان يرى بأن السدود ومحطات الطاقة يجب أن تصمم ويكون التنفيذ بإشراف خبراء مهندسين لا يتلقون أية تسهيلات مالية. وأن هؤلاء الخبراء هم وحدهم من يؤكد سلامة وجدوى المشاريع.
في عام ١٩٢٠ قام هارزا بتصميم العديد من السدود من بينها سد ديكس Dix Dam في كنتاكي، والذي كان أعلى سد ركامي في العالم آنذاك. كما تعاقدت الشركة على تشييد سدود ومحطات طاقة كهربائية لكهربة الريف الأمريكي ضمن برنامج إدارة الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت.

قبل الحرب العالمية الثانية تعاقدت حكومة أورغواي مع الحكومة الألمانية على تصميم و بناء سد كهرومائي ، لكن الحصار البريطاني على ميناء مونتفيديو Montevideo Harbor منع الألمان من تسليم معدات ومكائن المشروع إلى أورغواي. عندها قامت الحكومة الأمريكية باستدعاء شركة هارزا لتزويد الأورغواي بمعدات أمريكية. وتعاقدت هارزا مع أورغواي كي يتم نصب المعدات بشكل صحيح.
خلال الحرب تعرضت أغلب الشركات الهندسية للتوقف عن العمل وتسريح موظيفها ومنها شركة هارزا حتى لم يبق فيها سوى مالكها وسكرتيره فقط. لكن بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عادت الشركة لنشاطاتها بشكل أوسع حيث توسع الطلب على المشاريع الكهربائية في أنحاء الولايات المتحدة. وسرعان ما تعاقدت هارزا لتصميم والإشراف على بناء سدود كهرومائية في ويسكونسن وواشنطن. وبدخولها عام ١٩٤٧ كانت هارزا تمتلك القدرة المالية والهندسية للقيام بمشاريع ضخمة، وزاد عدد موظفيها.
في الخمسينيات قامت الشركة بتنفيذ مشاريع سدود وإرواء في تركيا وإيران والأردن إضافة إلى مشاريع عي نهر دجلة لخزن المياه. ومنذ ذلك الوقت ولحد عام ١٩٩٣ استمرت الشركة بتنفيذ مشاريع في العديد من بلدان العالم في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية والشمالية، ثم تحولت إلى الانشغال بسوق الأسهم العالمية. وتقدم استشارات هندسية في الصين وشرق أوربا وأمريكا اللاتينية. في عام ١٩٩٥ صعدت شركة هارزا للموقع العاشر بين الشركات الاستشارية الهندسية في العالم.


وصف السد
سد دربنديخان سد ركامي متكون من الصخور والحصى مع قلب طيني مركزي، ويعتمد على ثقله ووزنه في الوقوف أمام قدرة المياه أمامه. والغرض من إنشائه هو درء الفيضان وتوفير المياه لأغراض الري وإنتاج الطاقة الكهربائية وتنمية الثروة السمكية والسياحة في بحيرته.
يبلغ طول السد ٤٤٥ متراً ، وارتفاعه ١٢٨ متراً، ويبلغ عرضه حوالي ١٧ متراً في القمة، و٥٠٠ متراً عند قاعدته. وتبلغ سعة الخزن (٢،٥٣) مليار متر مكعب، وعند الفيضان يرتفع إلى (٣،٨٥) مليار متر مكعب.
لحماية السد من الفيضان وطغيان الماء عليه وجرفه تم تجهيزه بمنحدر ذي ثلاث أقسام يتم التحكم فيها بثلاث بوابات مربعة الشكل بطول ضلع يبلغ  (١٥) متراً. وعندما ينحدر الماء من خلالها تشكل ثلاث شلالات قادرة على تصريف (١١٤٠٠) متر مكعب بالدقيقة. وفي نهاية المنحدر يرتفع نحو الأعلى ليشكل قفزة للمياه تساعد على تبديد الطاقة المتولدة عن التصريف.

محطة الطاقة
تم تجهيز السد بمحطة كهرومائية فرنسية الصنع تقع في أسفل السد وتتألف من ثلاثة توربينات سعة كل منها (٨٣) ميكاواط. تدور التوربينات بفعل سقوط المياه من ارتفاع (٨٠) متراً داخل ثلاث قنوات من الخرسانة قادرة على تفريغ (١١٣) متر مكعب بالثانية. تم تشغيل التوربينات عام ١٩٩٠ ولم يتم تشغيل اثنين منها بشكل صحيح، فتضررت جزئياً.

للفترة بين عامي ١٩٨٣  و١٩٨٥ تم استبدال محطة كهرباء السد من قبل شركة بولنسكي وزولنر Zowllner     Polensky. &وشركة ميتسوي Mitsui اليابانية.  
تأسست شركة بولنسكي وزولنر عام ١٨٨٠ في مدينة دريسن Driesen بألمانيا. وكان العالم آنذاك يشهد عصر السكك الحديد والسفن النهرية وبناء الموانئ. وكانت الشركة تختص ببناء الجسور والأنفاق ومحطات الطاقة وأرصفة الموانئ والمشاريع الصناعية وإنشاء الأبنية التي تظهر فيها القدرة التقنية للشركة. في عام ١٩٣١ قامت الشركة بتطوير نشاطاتها عندما بنت أحواض بناء السفن في هولندا. وبنت نفقاً في جبال الباس Pass في النمسا. بعد الحرب العالمية الثانية توسعت أعمال الشركة عالمياً بدءاً بالعراق عام ١٩٦٢ وشملت دولاً مثل السعودية وعمان وليبيا والبرازيل وفي النهاية في أبو ظبي منذ عام ١٩٧٧.

مشاكل السد
في عام ١٩٦٧ حدثت عدة مشاكل في السد منها حدوث تصدعات وشقوق في منحدر تصريف المياه الزائدة مما يعني الحاج للإصلاح بشكل مستمر. كما حدثت تسربات للمياه تحت السد مما يستوجب إجراء عمليات حشو الأساس الموجود أسفل السد. كما تطلب إجراء إصلاحات في أعلى السد عامي ١٩٩٩ و ٢٠٠٠ .
أما المحطة الكهرومائية فقد تضررت بسبب الحرب العراقية الإيرانية وتعرضها للقصف، مما استوجب تبديل البوابات الخاصة بتصريف المياه وإزالتها عام ١٩٨٨ ثم تركيب أخرى جديدة عامي ١٩٨٩ و١٩٩٠ . في عام ٢٠٠٧ قدم البنك الدولي منحة بقيمة ١٨ مليون دولار لإصلاح سد دربنديخان. واستمرت عملية التأهيل حتى عام ٢٠١٣ حيث تم إعادة إنتاج الطاقة بأقصى مستوى.
في عام ٢٠١٧ حدثت انزلاقات ترابية في الجبل المجاور للمسيل المائي لسد دربنديخان بسبب حدوث زلزال بقوة (٧،٣) درجة على مقياس ريختر يوم ١٢ تشرين الثاني ٢٠١٧ يقع مركزه في جنوب غرب مدينة حلبجة. وأدى إلى سقوط صخور وأنقاض في المسيل المائي، وانهيار عدد من البيوت في المناطق المجاورة.