×

أخر الأخبار

الحسين رجل الزمن

  • 16-08-2021, 14:00
  • 598 مشاهدة
  • د . حميد الدهلكي

 يصنف الرجال في علم الاجتماع إلى تصنيفات عدة ، منها : تصنيفهم إلى رجل ذات ، ورجل مرحلة ، ورجل زمن ، ويراد من الصنف الأول : أن الرجل منهم يولد ليعيش لذاته ، وقطار عمره عباره عن رحلة تمتد من المهد إلى اللحد ، ليطوى تأريخه ووجوده ليطمر في حفرة يواريها الثرى ،  من ثم يتناساه الأهل والمحبون ليصبح بعد حين نسيا منسيا ،  اما الصنف الثاني من الرجال وهو رجل المرحلة،  فهو رجل ولد ليعيش ذاته ابتداء ولكنه لا يسجنها في الأطر وأسوار الذات الضيقة ،  بل يفك قيوده ليتحرر ويتغلب على قيوده الذاتية ، ويجاهد ميوله  ورغباته وطموحاته التي تريد منه ان يبقى مكبلا  وأسيرا  للأرض ولوازمها ، لتعيش ذاته من أجل غيره ، ليكون بطل خط ، ورجل مرحلة ، تاركا وراءه إرثا وتراثا وجهادا مليئا بالبطولة والتضحية  والعلم والجهاد والعطاء ، ليترك الدنيا  وقد ترك بصماته على المرحلة التي عاشها ، لتطبع المرحلة باسمه ، ونستطيع أن نسميه بحق بأنه رجل مرحلة ، ورجال المرحلة قليلون عبر التاريخ ،  فمنهم مراجع علم وجهاد وتضحية  وتقوى ،  ومنهم قادة يشهد لهم التأريخ بخبرتهم وحنكتهم  وسياستهم ،  ومنهم المفكرون ورجالات العلم على اختلاف صنوفهم ، فرجال المرحلة لم يعيشوا لذاتهم بل لمرحلتهم ،  وأما الصنف الثالث  الذي نسميه برجل الزمن ، فهو رجل اختزل الذات  والمرحلة ليعيش مع الزمن في بعده ، ومع الجغرافيا في أمتداداتها ، ليطوي المراحل ، ويتجاوز السدود والحدود المصطنعة ليبقى خالدا مع المسار الانساني على امتداد الارض بكاملها ،  والحسين ( عليه السلام ) أحد رجالات الزمن الذي أختزل كل تجارب الانبياء والمرسلين والمصلحين ليكون خلاصتهم وعصارتهم ، لهذا كانت نهضته عالمية ترجمتها مقولة : ( كل أرض كربلاء ، وكل يوم عاشوراء) ، ليبقى كتابا مفتوحا لم تكتمل فصوله بعد ،  وإن الأمة التي اتخذت الرسول رسالة ،  والحسين منهجا ،  والمهدي أملا ، هي أمة حية لن تموت ، مهما تراكمت عليها المحن والخطوب  ، فهي أمة تبنت الرسالة مبادئ ، والمحدقة بأعماق التأريخ الحسيني مقاومة   ،  والمتأملة بوعد المهدي  مصلحا  ، تبقى متوثبة ثائرة لن تهزم ولن تستسلم ، وهذا هو سر الحسين في نهضته ،  ومن هنا تأتي مقولة الرسول المتواترة : ( حسين مني وأنا من حسين ، أحب الله من أحب حسينا) ، ولا نريد من كلمة ( مني)  لنفسرها  : بأن الحسين هو بعض تكويني من الرسول فقط في سماته وبصماته الوراثية ، بل هو من الرسول في رسالته  وأهدافه  وتطلعاته ،  فهو الامتداد الطبيعي للرسالة المحمدية ،  ولولاه لتغيرت السنة ،  وتبدلت الشريعة  ، وتحرف القرآن،  ومسخ الانسان ، وبما أن قيمة الانسان بموقف وكلمة ليعيش وحيد زمانه ، فللحسين كلمات ومواقف تكفيه واحدة ليعيش مخلدا  ومنها : ( ... مثلي لا يبايع مثلك _ يا يزيد _) ، لتكون هذه الكلمة حدا فاصلا ، وسيفا قاتلا لقائلها ، الذي لا يعرف المهادنة ، ولا المساومة ،  ولا التبرير ، وأمثال ذلك ، فكلمة الحسين هذه سحبت بساط الشرعية المزعوم والمصطنع من بني أمية ومن يزيد خاصة ،  كيف يبايع الحسين يزيد  وهو الطليق ومن أبناء الطلقاء الذين لم يلقوا بأسلحتهم حتى أخر لحظة من فتح مكة ، وكيف يبايع الحسين  وهو سيد شباب أهل الجنة يزيد الخليع  والماجن ،  المتظاهر بالفسق والفجور  والكفر البواح ،  وكيف يبايعه وهو سليل النبوة ، وورارث الامامة ، ومن بيت مختلف الملائكة ، ومهبط الوحي  والتنزيل ، وهكذا كانت كلمة الحسين زمكانية تسير مع الزمان والمكان ، لتمتد مع البشرية وبقائها ، واستطاع حسين الزمن ان يصنف الأمة إلى صنفين لا ثالث لهما ، فهم أما مع خطه وجهاده ورسالته المحمدية ، وأما مع يزيد وفجوره وكفره من أبناء الشجرة الملعونة في القرآن ،  ولا يوجد ثالث على الحياد ، لأنه يرى الحق ولا ينتصر له ، ويرى الباطل فيرضى به ، وبذلك يصنف ضد الحسين   ونهضته ،  وعليه ينطبق على الجميع مقولة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وأله وسلم) في المأثور عنه والمتواتر : ( من أحب قوما حشر معهم ،  ومن أحب عمل قوم أشرك في عملهم ) ،  وهكذا يبقى الحسين رجل الزمن والمعيار الذي تقاس به الأمور  والمواقف عندما تتشابك الخطوط ،  وتتداخل الألوان ،  وعند إقبال الفتن المشبهه ، ليبقى الحسين مثالا للحق والحقيقة ومرآة لانعكاس الصور الحقيقية لا المزيفة ،  أختم ما أفاض به عميد المنبر الحسيني رحمه الله بمقطوعته الرائعة ومنها: ( يا ابا الطف يا نجيعا إلى الآن      تهادى على شذى الرمول ) (توج الارض بالفتوح فللرمل    على كل حبة إكليل ) ( فأرجفوا انك القتيل المدمى     أو من ينشئ الحياة قتيل  ) ( كذبوا لن يموت رأئ  لنور      الشمس من بعض نوره تعليل ) (ويموت الرسول  جسما ولكن                 في الرسالات لن يموت الرسول ) . د . حميد الدهلكي ٢٠٢١/٨/١٢