×

أخر الأخبار

كانت امي دائماً ما تمتنع عن الحديث بشأن اهلها أمامنا حينما كنا صغارا ..!

  • 25-04-2021, 11:32
  • 486 مشاهدة
  • علي هاشم

كانت امي دائماً ما تمتنع عن الحديث بشأن اهلها أمامنا حينما كنا صغارا ..!
سألتها مرة عندما كنت طفلاً في السابعة من العمر...
*ماما وين خالو؟
(اجابتني بتردد)_ مسافر بالبحرين من زمان!

*زين لعد وين جدو وبيبي وخواتك؟
_ هم مسافرين من مدة طويلة!

*وين يعني؟
_مسافرين ابني .. مسافرين بمكان بعيد ! ....... قالتها مع (تنهيدةٍ خرجت من بين اضلعٍ مُلأت جراحا)! .. ولم اكن ادرك معناها وأنا الطفل الصغير..!

* لعد انتِ ليش مسافرتي وياهم؟
_ آني بقيت هنا ويه ابوكم!

*زين لعد همه ليش ميجون ولا يسألون عليج؟
_كُوم ابني كُوم راجع دروسك باجر عندك امتحان مال قراءة! (لتضع يدها على وجهها وتمسح عنه دموعها التي تتساقط في كل مرة اسألها عن اهلها)!
.................................
 اتشحت أمي بالسواد قبل رحيلها عن الدنيا بأشهرٍ معدودة!

*ماما ليش لابسه أسود؟
_أبويه مات! ..(تلألأت عيناها ببريق دموع الألم)!

وين مات جدو؟
لا جواب

شلون مات؟
لا جواب .. (وضعت يدها على فمها في محاولة منها ان تتماسك امامي)

زين وين الفاتحة لعد؟
اجهشت أمي بالبكاء وهي ساجدةٌ بعد ان اتمت الصلاة! .. دون ان تجيبني عن تساؤلاتيّ! .. لكني كنت اسمع نواحها وهي تبكي (الهي أسألك بجاه كلمن عنده جاه يمك .. لا تحرم اطفالي من اهلهم مثل ما حرمتني)
.....................
توفيت أمي في سن الخامسة والثلاثين  ... سقطت فجأة بـسكتةٍ قلبية انهت حياتها
في حينها كنت في الثانية عشر من العمر! .. يصغرني خمسة أخوات وأخٌ لم يكن قد بلغ عامه الأول!
..................
في يوم رحيلها بحثت عن ابي في غرف المنزل .. فوجدته منزوياً في مكتبته الصغيرة يبكي والألم يعتصر فؤاده .. محاولاً ان يخفي صوت أنينه كي لا يسمعه أحد!
حاولت ان استجمع قواي وأكف عن البكاء قليلاً لأسأله :
يابه كل كَرايبك اجوي وأهل أمي ماكو! .. حتى لو مسافرين ليش متخابرهم وتكللهم امي ماتت؟ .. خل يجون ويانه للدفنه اريد اشوفهم!

إنهار أبي أمام كلماتي هذه وبكى بشدة ... وكلمني بـصوتٍ مبحوح فيه أنين (ابني لتسألني عليهم بعد)! ... كأنه اراد ان يُفهِمني بأن مصيرنا سيكون مثل مصيرهم ان سمعني أحد ... (المجهول)!
...............................
بمرور الوقت عرفت ان (أهل والدتي) كانوا من سكنة قضاء (النعمانية) وتم ترحيلهم من قبل النظام السابق لكونهم من (الأكراد الفيلية).. ليغادروا العراق مرغمين في سنة 1972 ... هم ومعهم ما يقارب 50 الف عائلة! ...  بينما بقيت امي وحيدة مع زوجها (أبي) وهي في سن السابعة عشر ! ..   دون ان تلتقي بأهلها لـمدة 18 عاما (1972 – 1990) إلى ان توفيت

لم يكن باستطاعة ابي وامي ان يخبرونا الحقيقة ونحن اطفال! .. خوفاً من بطش النظام!

كان ابي يسافر الى تركيا وأوربا قبل وبعد تلك الحرب (العراقية - الإيرانية)! ..  بحجة السياحة او التجارة! .. لكن السبب الحقيقي الذي يكمن وراء سفره .. هو فقط لأجل ان يتصل عبر الهاتف بأهلها ويستعلم احوالهم
 تلك كانت الطريقة الوحيدة التي من خلالها تصل اخبارهم الى امي! ..

وكان احياناً يجلب معه من السفر (كاسيت مسجل) يخفيه بين اشياءه .. فيه تسجيل صوتي لعائلتها المفقودة! .. وهم يرسلون سلامهم اليها .

أما هي فكانت في كل مرة تكلم جهاز التسجيل وترد عليهم السلام فرداً فرداً ... غارقةً في بحرٍ من الدموع .. بينما نحن من حولها جالسين لا ندرك من الامر شيئا..!
.......................

ما كتبته اعلاه هو جزء من معاناة عائلة في زمن نظام دكتاتوري اذاق شعبه الويلات!
سقط النظام السابق ... بينما استمرت معاناة العراقيين إلى اليوم !
آلاف القصص المأساوية!! .. ولايزال الشعب يدفع ضريبة الدم ... عن الانظمة التي تكالبت على حكم العراق!!