تنوع نيوز. ايناس الوندي
بياتريس أوهانسيان، ابنة بغداد المولودة عام 1927 في أسرة أرمنية عريقة، صنعت لنفسها دربًا استثنائيًا في زمن لم تكن فيه الموسيقى خيارًا شائعًا للفتيات. منذ طفولتها، ظهرت موهبتها الفذة في العزف، فأبدعت في فرقة مدرستها، ثم فُتحت أمامها أبواب معهد الفنون الجميلة رغم صغر سنّها، بعد أن شاهد أساتذته تلك الشرارة النادرة التي لا تُخطئها العين.
واصلت بياتريس طريقها نحو العالمية حين حصلت على منحة حكومية للدراسة في Royal Academy of Music في لندن، ثم منحة Fulbright التي قادتها إلى Juilliard School في نيويورك، لتعتلي خشبة Carnegie Recital Hall وتُعلن عن ميلاد عازفة استثنائية تحمل العراق في أناملها.
ورغم نجاحها الدولي، عادت بياتريس إلى بغداد، لتصبح أول عازفة بيانو كلاسيكية في العراق، وتتولى رئاسة قسم البيانو في معهد الفنون الجميلة. وفي عام 1961 اختيرت كالعازفة المنفردة الرئيسية في الفرقة السيمفونية الوطنية العراقية، لتمنح الموسيقى في البلاد وجهًا جديدًا أكثر حداثة ورقيًا.
لم تكن عازفة فقط، بل أول ملحّنة عراقية للموسيقى الكلاسيكية، وقدمت مقطوعات جمعت بين الروح الشرقية والتقنيات الغربية، من أبرزها «الفجر» التي ما تزال شاهدة على بصمتها.
هاجرت لاحقًا إلى الولايات المتحدة عام 1994 واستقرّت في مينيسوتا، حيث تابعت التعليم والعزف حتى رحيلها في 17 تموز 2008. لكنها تركت إرثًا موسيقيًا لا يُنسى، يروي كيف يمكن للمرأة أن تصنع مجدًا فنيًا في أصعب الظروف.
لماذا بياتريس ضمن “100 نون عراقية”:
لأنها كانت الأولى في مجالها، وكسرَت حدود الزمن والمجتمع.
لأنها أدخلت الموسيقى الكلاسيكية إلى العراق بلمسة عراقية خالصة.
لأنها جسدت التعايش بين الهويات والثقافات.
لأنها مثال للقوة والإصرار، لم تتوقف عن العطاء رغم كل التحديات.
بياتريس لم تعزف الموسيقى فقط… بل عزفت قصة العراق على مفاتيح البيانو، وتركت خلفها لحنًا لا يشيخ.