الصفحة الرئيسية / إمام دانگە: قرية الشفاء المهجورة على ضفاف الوند في خانقين

إمام دانگە: قرية الشفاء المهجورة على ضفاف الوند في خانقين

خانقين – ايناس الوندي

 على ضفاف نهر الوند  بالقرب من قرية قوله اليهودي الحدودية، تقع قرية صغيرة مهجورة تعرف باسم "إمام دانگە". قرية تحمل ذكريات عائلات بأكملها، لكنها اليوم صامتة، خالية من الحياة بعد سنوات من التهجير والاضطهاد.

أصل الاسم وذكريات الماضي
رغم أن اسم القرية يوحي بدين وإمام، إلا أن "إمام دانگە" لا يشير إلى شخصية دينية. كلمة "دانگە" في لهجة السكان المحليين ارتبطت بمرض جدري الماء، والقرية كانت تُعرف كمكان يلجأ إليه المصابون للشفاء.
يستذكر كبار السن: "كنا نأتي هنا أثناء المرض، نضع أنفسنا على ضفاف النهر، ونعتقد أن مياه الألوين وأرض القرية تمنحنا الشفاء. لهذا اكتسبت القرية مكانة مقدسة في ذاكرة أهلها."

التهجير والإغتراب
قبل أكثر من خمسين عامًا، كانت القرية تضم أكثر من 25 منزلًا، وعائلاتها تعيش حياتها الزراعية والبدوية بالقرب من النهر والتلال الأثرية المجاورة.
في عام 1975، فرض عليهم التهجير القسري إلى مدينة سامراء بمحافظة صلاح الدين، وتركوا وراءهم منازلهم وذكرياتهم، كما يروي أحدهم:
 "جدي وأقاربي بنوا هذه القرية، وكنا نعتقد أنها ستبقى لنا للأبد. لكن الظلم لم يتركنا، وأُجبرنا على الرحيل."

بعد سقوط النظام عام 2003، عاد بعض سكان القرية، بقيادة محمد نوري المعروف بأبو خيري، وأعادوا بناء أكثر من 13 منزلًا. استأنفوا الزراعة والتجارة، لكن حلم الاستقرار لم يدم طويلًا، ففي عام 2011 تعرضوا للنزوح مرة أخرى، تاركين القرية مهجورة للمرة الثانية.

التقاليد والطقوس
القرية لم تكن مجرد مكان للسكن، بل كانت مركزًا للشفاء والطقوس التقليدية. المرضى الذين أصيبوا بجدري الماء كانوا يتجمعون على ضفاف الألوين، ويؤمنون بأن الروح والبيئة الطبيعية للقرية تساعدهم على التعافي.
كما كانت هناك صناعة محلية تقليدية، حيث يقوم سكان القرية بتحويل الحطب بعد الاحتراق إلى مادة بيضاء تُستخدم للبناء وتجديد البيوت، لتظل القرية نابضة بالعمل والمهارات حتى قبل التهجير.

ذكريات الناس

أحد أبناء القرية يقول:
 "لدينا ذكريات في كاني بز قبل بناء الإمام دانگە، وكان مختار القرية أخي بالرضاعة وابن عم والدتي المرحوم محمد نوري. كل حجر في القرية له قصة، وكل شارع له ذكرى."

الحديث عن القرية يثير الحنين والأسى، فهي مثال حي على القرى العراقية التي عانت التهجير القسري، وحملت ذكريات المجتمعات الصغيرة التي تهجرت بالقوة.

خاتما:

إمام دانگە ليست مجرد قرية مهجورة على ضفاف نهر الوند بالقرب من قرية قوله اليهودي الحدودية، بل هي رمز لصمود الإنسان أمام الظلم والنزوح القسري. قصتها تنقل لنا معنى الذاكرة، الأمل، والحياة التي لم تنتهِ رغم الرحيل، وتظل في وجدان أهلها كمكان مقدس، يحتفظ بذكريات الشفاء، والعمل، والحياة البسيطة التي عاشوها هناك.


---
19-11-2025, 21:07
العودة للخلف