الصفحة الرئيسية / "حين كانت الطباشير تصنع الأحلام.. مدرسة التهذيب في مندلي تستعيد مجدها القديم"

"حين كانت الطباشير تصنع الأحلام.. مدرسة التهذيب في مندلي تستعيد مجدها القديم"

مندلي .ايناس الوندي

في قلب مندلي، المدينة التي تختلط فيها رائحة النخيل بغبار الأزقة القديمة، كانت مدرسة التهذيب الابتدائية للبنين عام 1974 من أبرز الصروح التعليمية التي شكّلت الوعي الأول لأبناء المدينة.وأحد مدرائها سنة 1977 كان الإستاذ حاجي  
في تلك السنوات الهادئة التي سبقت الحروب والتهجير، كانت المدرسة أشبه بمحرابٍ للعلم يحتضن أحلام أطفالٍ يأتون من محلات القلعة والجديد والسوق الكبير، يحملون دفاترهم تحت أذرعهم، ويصطفّون في ساحةٍ ترابية تظللها أشجار التوت والسدر.

يستذكر المعلم المخضرم عبد الجبار كريم تلك الأيام قائلاً:

 "كانت مدرسة التهذيب مثالًا للانضباط والاحترام. يبدأ الطابور الصباحي بالنشيد الوطني، ثم يتولى المعاون فحص الأظافر والزي، وبعدها تبدأ الحصص بحماسٍ لا يعرف الكسل."

كانت المدرسة تضم نحو ثمانية صفوف من الأول إلى السادس الابتدائي، وتعمل بنظام الفترتين لاستيعاب العدد الكبير من التلاميذ الذين تجاوزوا خمسمئة طالب. تولّى التدريس فيها نخبة من أبناء مندلي وخانقين وبعقوبة، فيما أدارها آنذاك الأستاذ عبد الرزاق البياتي، أحد الإداريين المعروفين بانضباطهم وتأثيرهم في سلوك الطلبة وتعليمهم.

لم تكن "التهذيب" مجرد مدرسة، بل مركز إشعاع ثقافي واجتماعي؛ فالكثير من خريجيها واصلوا مسيرتهم ليصبحوا أطباء ومهندسين ومدرسين. وتشير شهادات أبناء تلك المرحلة إلى أن أنشطة المدرسة عام 1974 شملت مسابقات في الخط العربي والإنشاد الوطني، فضلًا عن احتفالاتٍ وطنية كانت تُقام في ساحة العلم وسط المبنى.

غير أن الذاكرة الجميلة التي حملها أبناء الجيل لم تخلُ من وجعٍ لاحق، إذ طال الدمار المدينة خلال الحرب العراقية الإيرانية، فتضرر مبنى المدرسة جزئيًا، وغابت عن المشهد التربوي سنواتٍ طويلة قبل أن تُرمم في تسعينات القرن الماضي.

اليوم، لا يبقى من "التهذيب" سوى مبناها العتيق وبعض الصور الباهتة في ألبومات الخريجين، تروي قصة زمنٍ كان فيه الطموح أكبر من الإمكانات، والتعليم رسالة تُكتب بالطباشير لا على الشاشات.

ختاما : تبقى مدرسة التهذيب الابتدائية للبنين في مندلي شاهدًا على جيلٍ تعلّم تحت ظلّ المعلم لا ظلّ السياسة، وعلى مدينةٍ كانت تزرع الحروف كما تزرع القمح في سهولها.


6-11-2025, 23:41
العودة للخلف