الصفحة الرئيسية / مقام الإمام خضرزندة في خانقين: بين الموروث الروحي والهوية الثقافية للكورد الفيلية

مقام الإمام خضرزندة في خانقين: بين الموروث الروحي والهوية الثقافية للكورد الفيلية







خانقين – إيناس الوندي

في قلب قضاء خانقين بمحافظة ديالى، تقع منطقة علم دار التي تُعرف أيضًا باسم خضرزندة، وهي من المواقع التي تحمل قيمة دينية وروحية عالية، خصوصًا لدى الكورد الفيلية الذين يشكلون جزءًا مهمًا من سكان المدينة. هذا الموقع ليس مجرد مكان عادي، بل يُقدَّس لدى السكان المحليين باعتباره مرتبطًا بالإمام الخضر عليه السلام، الشخصية الروحية التي يحاط وجودها بالاحترام والتقدير.
ويذكر المؤرخون المحليون أن المنطقة كانت تضم مقبرة صغيرة على ضفة نهر الوند الغربي، يقال إن فيها مدفون الصحابي الجليل والقائد الإسلامي محمد حذيفة اليماني، المشهور بحمل لواء الإسلام أثناء المعارك الطاحنة بين المسلمين والجيش الفارسي بقيادة بروجرد. ومن هنا أطلقت على المنطقة اسم علم دار، أي "رافع راية المسلمين"، في إشارة إلى مكانتها التاريخية والدينية.

الإمام الخضر: نبي أم وليّ؟
الإمام الخضر يُذكر في القرآن الكريم في سورة الكهف (الآيات 65–82) حين التقى بالنبي موسى عليه السلام، ويُشار إليه بأنه عبد من عباد الله وعالم بالعلم الغيبي. ورغم أن القرآن لم يصفه صراحةً بأنه نبي، إلا أن التراث الإسلامي يعتبره من أولياء الله أو الأنبياء الذين وهبهم الله علم الغيب، ويُعتقد أنه حيّ ولم يمت، ويتجول في الأرض.

في العراق، خصوصًا في بغداد وخانقين، يعتقد السكان أن الإمام الخضر يظهر في أماكن محددة، ويُتبارك بهذه المواقع، منها قرب نهري دجلة في بغداد، وأماكن تواجد روحية مثل خضرزندة في خانقين، التي أصبحت رمزًا للقداسة والروحانية المحلية.

الموقع الجغرافي وأهمية خضرزندة
يقع خضرزندة في قلب خانقين ضمن منطقة يسهل الوصول إليها من مختلف نواحي المدينة، وتتميز بقربها من طرق رئيسية تسهّل على الزوار التوافد. هذا الموقع يجعل من المكان نقطة تجمع دينية واجتماعية في آن واحد.
بالنسبة للكورد الفيلية، يُعتبر الموقع مكانًا مباركًا مرتبطًا بتواجد الإمام الخضر في الماضي أو بحسب الموروث الشعبي بتواجده الروحي المستمر، وهو ما يمنح المكان قدسية خاصة ويجعل زياراته طقوسًا تعبّر عن الروحانية والثقافة المحلية.

العلاقة بالكورد الفيلية
الكورد الفيلية في خانقين يرتبطون بخضرزندة ارتباطًا روحيًا وثقافيًا. خلال المناسبات الدينية، مثل المولد النبوي الشريف أو ذكرى استشهاد الأئمة، يتوافد المئات من المؤمنين إلى الموقع لأداء الطقوس الدينية، وتقديم الصدقات والدعاء طلبًا للبركة.
الزيارة الجماعية لا تقتصر على الجانب الروحي فقط، بل تُعد أيضًا فرصة لتقوية الروابط الاجتماعية بين العائلات، وإحياء التراث الشعبي ونقله إلى الأجيال الجديدة، مما يعزز شعور الانتماء والهوية المشتركة في المجتمع الفيلي.

الطقوس والممارسات
التبرك بالمكان: يقوم الزوار بوضع أيديهم على الموقع أو التوجه بالدعاء، اعتقادًا بأن البركة مرتبطة بالإمام الخضر.
الدعاء الجماعي: تُقام مجالس قراءة الأدعية والأذكار بحضور العائلات الفيلية.

تقديم النذور والصدقات: ممارسة شائعة لطلب الشفاء وتحقيق الأمنيات أو للتعبير عن الامتنان الروحي.

الأهمية الثقافية والاجتماعية
يمثل خضرزندة حلقة وصل بين الماضي والحاضر، إذ يعكس الموروث الديني والتاريخي للإمام الخضر، ويربط الحاضر بالتراث الشعبي للكورد الفيلية. كما يعزز المكان الروابط المجتمعية، ويخلق مساحة لتواصل الأجيال، ويُعيد إحياء الطقوس والهوية الدينية في المجتمع المحلي.

وأخيرا: مقام خضرزندة ليس مجرد موقع ديني، بل رمز للروحانية والهوية الثقافية للكورد الفيلية في خانقين. من خلال التوافد الجماعي في المناسبات الدينية، يواصل المجتمع الفيلي الحفاظ على تراثه الروحي والاجتماعي، ويعزز شعور الانتماء والهوية المشتركة، مؤكّدًا دور التراث الروحي في صياغة الثقافة المحلية وتعزيز التلاحم الاجتماعي.

20-09-2025, 23:51
العودة للخلف