أعداد . إيناس الوندي
في زمن تتلاشى فيه ملامح الهويات الأصيلة تحت وطأة المركزية الثقافية، يسطع كتاب "اللّور: دراسة في الأدب القومي والتراث الإثنوغرافي في إيران" كوثيقة أنثروبولوجية نادرة تُنقّب في ذاكرة قومية مهمّشة داخل الجغرافيا الإيرانية.
الكتاب الذي ألّفه الدكتور إسكندر أمان اللهي بهاروند وترجمه إلى العربية سلام برويز، يشكّل دراسة علمية رصينة عن قوم اللّور، إحدى القوميات الإيرانية ذات الامتداد التاريخي والاجتماعي العميق، والتي تنتمي إلى
الجذر الكوردي – الإيراني.
يحمل الكتاب عنوانًا فرعيًا لافتًا:
"دراسة في الأدب القومي والتراث الإثنوغرافي في إيران"،
ليأخذ القارئ في رحلة بحثية تمزج بين الرواية الشعبية والتحليل الأنثروبولوجي، متوغّلًا في تفاصيل الهوية اللورية: من الأغاني والأساطير، إلى النظم القبلية، والموروث الاجتماعي الذي ظل بعيدًا عن التوثيق الرسمي لعقود.
المؤلف، الذي ينتمي هو نفسه إلى أصول لورية، اعتمد على عمل ميداني طويل المدى، ومصادر شفوية جمعها من شيوخ القبائل والرواة، ليقدّم صورة متكاملة عن الحياة اليومية والسياسية والفكرية لقوم اللور، والذين يُعدّون اليوم جزءًا من الشعوب في خريطة إيران الحديثة.
من هم اللّور؟ وهل الفيلية جزء منهم؟
ينتمي اللّور إلى إحدى أكبر القوميات الإيرانية غير الفارسية، ويتوزعون في مناطق لرستان وإيلام وكهكيلويه وبوير أحمد وجهارمحال وبختيارية في غرب إيران.
يتحدثون اللغة اللورية، وهي لهجة متفرعة عن الكوردية أو قريبة منها، وتُعد من أقدم اللغات الإيرانية الحية.
وينقسم اللور إلى مجموعات فرعية، أبرزها:
اللّور الكبرى (لر كبير)
اللّور الصغرى (لر صغير)
البختيارية
الفيلية (كورد فيليون)
ويُجمع عدد من الباحثين، منهم الدكتور إسكندر أمان اللهي، على أن الكورد الفيلية يُعدّون فرعًا من اللور أو أقرباء إثنيين وثقافيين لهم، إذ يشتركون في اللهجة، والنَسب القبلي، والتقاليد، والمناطق الجغرافية.
ورغم هذا التقاطع، فإن الفيليين يحتفظون بهويتهم الكوردية الخاصة، خاصة في العراق، حيث يُعرفون باسم "الكورد الفيلية"، وقد لعبوا دورًا بارزًا في الحياة الثقافية والسياسية والاجتماعية، رغم ما تعرضوا له من تهميش وتهجير قسري في العقود الماضية.
ولأن الكتاب كُتب بالفارسية، جاءت ترجمة سلام برويز إلى العربية لتفتح الباب أمام القارئ العربي، والكوردي الفيلي على وجه الخصوص، لفهم جذوره الثقافية وتاريخه الاجتماعي، خاصة أن جزءًا كبيرًا من اللور يتقاطعون مع الفيليين في العادات واللغة والنَسب.
الكتاب صدر بطبعة أنيقة عن إحدى دور النشر الثقافية، ويُعد إضافة نوعية للمكتبة العربية، في وقتٍ بات فيه توثيق الهويات الفرعية حاجة ملحة لحماية التنوع من الذوبان في الهويات المركزية.
خلاصة:
"اللّور" ليس مجرد كتاب، بل هو صوت لأمة صامتة، وصرخة في وجه النسيان الثقافي، يضعه مؤلفه بين أيدي الباحثين والقراء كي لا تموت الذاكرة.