اعداد .تنوع نيوز
في 9 نيسان 1980، هزّت بغداد حادثة مأساوية كانت بداية لفصل جديد من العنف والظلم في تاريخ العراق المعاصر. في هذا اليوم، اغتيل المرجع الديني الكبير محمد باقر الصدر، أحد أعمدة الفكر الشيعي في العراق، إلى جانب شقيقته الهدى، التي كانت ناشطة اجتماعية وسياسية بارزة. كانت وفاتهما بمثابة جريمة هزّت قلوب العديد من العراقيين، ووضعت علامة سوداء على سجل النظام العراقي البائد.
من هو محمد باقر الصدر؟
محمد باقر الصدر كان مرجعًا دينيًا وفقيهًا شيعيًا، واحدًا من أبرز المفكرين في العالم العربي والإسلامي في القرن العشرين. عُرف بتطويره لفكرة "الاقتصاد الإسلامي" من خلال مؤلفه الشهير "فلسفة الاقتصاد"، وكان يُعتبر من أبرز رجال الدين الذين دعاوا إلى تحرر الشعب العراقي من الطغيان، والمساهمة في بناء نظام إسلامي عادل. كما كان له دورٌ مهم في تطوير مفهوم "الحكم الإسلامي" وتفعيل دور الجماهير في صناعة القرار السياسي، وكان يعتبر من المرجعية الأكثر تأثيرًا في المجتمع الشيعي.
القضية السياسية والعقائدية
تأثرت أفكار الصدر بشكل كبير بالمشاكل السياسية والاجتماعية في العراق، حيث كان يعتقد أن الفقر والظلم هما الأسباب الرئيسية للمشاكل التي يعاني منها الشعب العراقي. كما كان يرفض الظلم الذي يمارسه النظام الحاكم بقيادة صدام حسين، مما جعله يشكل تهديدًا حقيقيًا لهذا النظام.
وكان محمد باقر الصدر قد أسس حركة "الدعوة الإسلامية"، وهي حركة دينية كانت تهدف إلى إحداث تغييرات في النظام السياسي العراقي عبر مسار سلمي وديني. لكن مع تصاعد التوترات بينه وبين النظام البعثي، بدأ نظام صدام حسين يضعه في دائرة الاستهداف.
لحظة الاغتيال
في عام 1980، وفي ظل التوترات السياسية، كان محمد باقر الصدر يُعتبر أحد أبرز الشخصيات التي يعارضها النظام، ويُعتقد أن صدام حسين كان يرى فيه تهديدًا مباشرًا لسلطته. في يوم 9 نيسان 1980، تم اعتقال محمد باقر الصدر وشقيقته الهدى، حيث تم اقتيادهما إلى جهاز المخابرات العراقي.
وفقًا للتقارير، تعرض الصدر وشقيقته لعدة أيام من التعذيب قبل أن يتم إعدامهما في ذلك اليوم. وفيما بعد، انتشرت تقارير عديدة تشير إلى أن محمد باقر الصدر قُتل رمياً بالرصاص، بينما كانت الهدى قد أُعدمت مع أخيها، في جريمة وصفت بأنها سياسية بامتياز تهدف إلى إسكاتهما بشكل نهائي.
من هم القتلة؟
القتل الوحشي الذي تعرض له محمد باقر الصدر وشقيقته الهدى كان بأوامر مباشرة من صدام حسين وأجهزة المخابرات العراقية، وعلى رأسهم "حافظ الجلبي" الذي كان مديرًا للمخابرات في تلك الفترة. يعتبر صدام حسين أن الصدر كان يمثل تهديدًا لمشروعه السياسي، لذا كان القرار هو التخلص منه بأبشع الوسائل الممكنة.
لم تقتصر الجريمة على قتل الصدر وشقيقته، بل كانت جزءًا من سلسلة من التصفيات التي طالت العديد من المعارضين السياسيين في تلك الحقبة، وكانت تهدف إلى قمع أي صوت يعارض النظام.
ردود الفعل على الاغتيال
كان اغتيال محمد باقر الصدر بمثابة صدمة كبيرة للمجتمع الشيعي في العراق والعالم العربي. فقد أثار مقتل أحد أبرز القادة الدينيين في العالم الإسلامي غضبًا واسعًا، وأدى إلى خروج مظاهرات عارمة في مختلف مدن العراق. كما شكل الحادث نقطة فارقة في تصاعد المعارضة ضد النظام، إذ أصبح الشهيد الصدر رمزًا للمقاومة ضد الاستبداد.
مؤسسات دينية وأحزاب شيعية حملت في دفاترها ذاكرة الصدر كشخصية مقاومة، وأصبح اسمه رمزًا للثورة ضد الطغيان، حيث تأسست حركات سياسية في العراق ومنطقة الشرق الأوسط لاحقًا من خلال التعاليم التي تركها وراءه.
خاتما.
كان اغتيال محمد باقر الصدر وشقيقته الهدى في 9 نيسان 1980 جريمة دموية تهدف إلى إسكاتهما وإزالة أي تهديد سياسي لفكر النظام البعثي. لكن، على الرغم من كل محاولات النظام في القضاء على هذا الفكر، بقي محمد باقر الصدر رمزًا للثورة والمقاومة ضد الاستبداد، وامتدت تأثيرات أفكاره عبر أجيالٍ من العراقيين ومنطقة الشرق الأوسط.