________________
١- سجلَ أحد المراقبين لحركة الرياح والطيور والعصافير قبل إسبوع عبور هدهد عراقي الحدود اللبنانية متجهاً بسرعة فائقة الى دمشق في مهمة يبدو انها (ثقيلة) ..تنتظره في قصر الشعب ..حيث وجد نفسه أمام (احمد الشرع) وجهاً لوجه..
٢-الهدهد العراقي ظهر مرتاحاً وعليه سيماء الاسترخاء السياسي الذي تمدد على زمن اللقاء مع الجولاني الذي ركز على تفاصيل الحديث العراقي ..ولم يعبث بلحيته طيلة فترة اللقاء لأهميته ..فتركها باسترسال عفوي وهو يحدق في عيني ضيفه الجديد..
٣-كان الهدهد قبل أن يسافر..قد التقط حبات القمح من بيدر المشخاب بمنقاره الحريص.. وإرتوى من دجلة الخير قبل موسم الهجرة الى الشام ..فوصلها بعد دورتين على جبل قاسيون ثم تدحرج الى قصر الشعب بعد أن قلّبَ جناحيه على مرقد السيدة رقية بنت الحسين للتحية عليها ..وناقلاً لها تحيات كربلائية من أخويها على ضفاف العلقمي..
٤-إطمأن الجولاني على عرشه وهو يمسك جانبيه..وزاد اطمئنانه بعد أن تيقن ان الهدهد هذه المرة لم يأت الى الشام ليخطف (بلقيس )ولن يحمل العرش الى سليمان..فتمدد في سياحته الثقافية والاجتماعية ..وأسهب في ضماناته..بعد أن إرتشف مرتين القهوة بتلذذ وشهية..
٥-الهدهد البغدادي قدم سردية جديدة للعلاقة بين العراق وسوريا كشعبين ودولتين ..وبنكهة (الشهد والدموع) فاما أن نأكل الشهد سوية أو نذرف الدمع سوية..ولامجال (للمشاطرة) بلهجة أهل الشام ..كان الرد السوري على صيغة سؤال (ماهو المطلوب منا؟)..وتتمنى (كناري )الشام الجديدة أن تزور بغداد مثل بقية العواصم ..ولكنَّ(فيزتكم) تتأخرون في منحها لنا..
٦-الشرع تفهم مايطلقه البعض من آراء وتصريحات (قاسية) على مايدور في الشام ..مرة على ضوء العناوين السابقة التي كانت تتدحرج بين الصحارى والرمال ..ومرة إعتبرها(الجولاني-الشرع).. من ضمن الحملة الانتخابية المبكرة والتي تعتمد على (الحماسة والتجييش) لحصد أصوات المارة والواقفين على الارصفة ..
ثم مرت بسرعة كمفردة من مفردات اللقاء ..
٧-قبل أن يطير الهدهد عائداً الى بغداد محملاً بوعود وحكم وحكايات وصابون حلبي .. وهمسات جديدة يسمعها أول مرة ..وهو بين الشك واليقين سأل نفسه..هل سيصدق الناس انه استطاع أن يقنع مضيِّفه ببعض مالديه..وربما وجد (الشرع) مختلفاً عن أقرانه أو هكذا ظهر خصوصا. بعدما أماط اللثام عن وجهه..وكذلك قال متفائلاً بأن السلطة والجاه والاضواء والاموال ستغير الكثير من القناعات وتخفف الكثير من التطرف والعناد..وللزمن أحكام على الكثير من الاشياء
٨-عاد الى بغداد ..والعود بغدادي ..وهو في شوارعها ومقاهيها سمع (ألف ليلة وألف نهار) وسجل في دفتره الصغير رأيين مستقطبين ..الاول يريد الهرولة الى الشام بلا تاريخ.. والاخر ينتظر سقوط حكام الشام حتى ينام آمناً مطمئناً..وبين الهرولة والسهر حدود جغرافية ونفسية وفكرية وغيرهن.. وبعدها غيبوبات للساهر على خدود الوسادة الدافئة..
٩-كنا نسمع شعراً..عن التقاء جبلين ..وعن تلاقي شتيتين بالاحضان ..(بعدما..يظنان كل الظن أن لا تلاقيا) ..وهو ترميز عن المسافة الوجدانية والفقهية والسياسية والثقافية..وكتب التأريخ..ومذكرات البلاط وأوراق القصور..وأنين السجناء..فهل للحاضر شعلة نار يمكنها أن (تلقف مايأفكون)..تلك حكاية وادي سحيق يحتاج الى جبال من الثقة وأكوام من الحب ..وسواقي استحمام للقلب والعقل والتاريخ ..ليتطاير النعاس الى حيث تعبث به الرياح..
١٠-كنتُ هناك..في رحلة لاتشبه الرحلات ..وسفر لايشبه السفر..فهو لم يسفر الا عن أشياء (ملثمة) لم تعد تخيف الاخرين..رغم وجود المرجفين في المدينة الذين يسقطون كل شي بالقول والاعجاب والتعليق..والتهويل..
ستمر الايام مثلما مرت غيرها.. وربما ستبقى على حالها ولو بالمرارة..تنتظر الديك ليصرخ كل صباح (ما أشبه الليلة بالبارحة..) البارحة التي أرهقها الارق والقلق في محطات الاستقبال والوداع..لقطارات تصدأت سكتها من الوحشة التي تعصف بفراغات المسافات البعيدة ..ومنافي التاريخ التي حرمتنا من (الحب العظيم ) ..فتدثرنا بالشعر ..وكتابة الاشواق لعناوين معظمها قديمة..
ولكن تذبحنا كل مساء ..