الصفحة الرئيسية / سيدة العراق الأولى : العراق ليس وحيداً في مواجهته لمثل هذه الأهوال، فقد تم مؤخراً اكتشاف مقابر جماعية قرب دمشق،

سيدة العراق الأولى : العراق ليس وحيداً في مواجهته لمثل هذه الأهوال، فقد تم مؤخراً اكتشاف مقابر جماعية قرب دمشق،

سيدة العراق الأولى شاناز إبراهيم أحمد: "العراق ليس وحيداً في مواجهته لمثل هذه الأهوال، فقد تم مؤخراً اكتشاف مقابر جماعية قرب دمشق، يُقال إنها تحتوي على رفات آلاف ضحايا نظام بشار الأسد المخلوع."

تكريم ضحايا الأنفال شفاء لجراح.

في أيار 2003، وقفتُ إلى جانب النائبة البريطانية الراحلة والناشطة الإنسانية آن كلويد عند مقبرة جماعية قرب بغداد، موقع ضم رفات آلاف ممن أعدمهم نظام صدام حسين. ومن بين البقايا المؤلمة، ظلت صورة واحدة عالقة في ذهني - خصلة شعر طفل، مضفورة بعناية ومربوطة بشريط أحمر صغير، ملطخة بالطين. تلك المقبرة قرب المحاويل، وهي من أكبر المقابر المكتشفة بعد سقوط النظام البعثي، كان يُعتقد أنها تضم رفات 15 ألف شخص. كان اكتشافها تذكيراً مروعاً بالوحشية التي سيطرت على العراق يوماً والحزن المستمر للعائلات الباحثة عن إجابات.
 
بعد عقدين، وجدت نفسي مرة أخرى أمام مقبرة جماعية - هذه المرة في صحراء تل الشيخة في قضاء السلمان بمحافظة المثنى. تحت هذه الأرض القاحلة رقدت رفات نحو 100 امرأة وطفل كوردي، ضحايا إبادة الأنفال. وعلى بعد أمتار، تم تحديد ثلاث مقابر جماعية أخرى يُعتقد أنها تحوي رفات ضحايا الأنفال، مما يجعلها ربما أكبر موقع من نوعه في العراق. هذا الاكتشاف شهادة صارخة على فظائع حملة الإبادة التي شنها صدام حسين، كما أنه دعوة للعمل - لتكريم ذكرى من فقدناهم ومنح عائلاتهم السلام النفسي.
 
تكشف التحقيقات الجنائية الأولية في الرفات المستخرجة صورة مروعة للحظات الضحايا الأخيرة. تشير الأدلة إلى أن الضحايا أُعدموا رمياً بالرصاص من الجانبين قبل إطلاق النار عليهم مرة أخرى من الأعلى. وتظهر رفات بعض البالغين محاولات يائسة لحماية الأطفال من الرصاص، حيث كانت أجسادهم في وضعية حماية فوق الأجساد الصغيرة.
 
إبادة الأنفال، أحد أحلك فصول التاريخ الحديث، أودت بحياة 182 ألف كوردي وآشوري وشبكي وتركماني وإيزدي ومندائي ودمرت 4500 قرية. في بضعة أشهر فقط من عام 1988، شن النظام البعثي حملة إبادة ضد كورد العراق، حيث قام بتهجيرهم وقتلهم قسراً بذريعة قمع التمرد. اليوم، ما زالت أصداء هؤلاء الضحايا تنادي طلباً للاعتراف والعدالة.
 
لكن طريق العدالة ليس بسيطاً ولا سريعاً. فمنذ 2019، لم يتم اكتشاف سوى مقبرتين جماعيتين من مقابر الأنفال، وما زالت مقابر لا حصر لها مخفية تحت التراب. عملية التنقيب والتعرف على الهوية ومطابقة الحمض النووي دقيقة ومعقدة، تتطلب خبرة علمية متقدمة وعزيمة لا تلين.
 
للمرة الأولى، تتم تنسيق عملية التعرف على الهوية رسمياً من خلال جهد مشترك بين أطباء من وزارة العدل، واللجنة الدولية للمفقودين، ومؤسسة الشهداء، ودائرة الطب العدلي في وزارة الصحة، وخبراء محليين آخرين، كلها بقيادة مكتبنا. حتى اليوم، تم جمع 1200 عينة دم من عائلات المفقودين - بشكل رئيسي في كلار وجمجمال وكويسنجق - من أصل 1600 عائلة مسجلة. رغم هذه التحديات، تبقى أولويتنا إعادة رفات الضحايا إلى عائلاتهم، مما يتيح لهم كرامة الدفن اللائق ويمنحهم قدراً من العزاء في معرفة أن تضحياتهم من أجل الحرية لم تُنس.
 
العراق ليس وحيداً في مواجهته لمثل هذه الأهوال. فقد تم مؤخراً اكتشاف مقابر جماعية قرب دمشق، يُقال إنها تحوي رفات آلاف ضحايا نظام بشار الأسد المخلوع. ومثل العراق، تواجه سوريا الآن عمليتها المؤلمة الخاصة في تحديد هوية الضحايا، وحفظ الأدلة، وضمان العدالة لعائلات الضحايا.
 
لا يخلو أي من المسارين من العقبات. فقد أعاقت العراقيل السياسية والتأخيرات البيروقراطية التقدم في العراق، لكن كما تعهدت لعائلات الضحايا، لن ندخر جهداً في تجاوز الروتين والمضي قدماً. هذا العمل لم ينته بعد والمهمة التي أمامنا لا تزال هائلة. يجب علينا الحفاظ على هذه المواقع كشواهد دائمة على تضحيات الضحايا وكتحذيرات للأجيال القادمة حول عواقب الطغيان غير المكبوح.
 
دروس إبادة الأنفال تتردد أصداؤها خارج العراق. هذه المقابر الجماعية وما تكشفه من فظائع تسلط الضوء على الألم المشترك للأمم التي مزقها العنف والقمع، حيث حولت الأنظمة الاستبدادية أراضيها إلى مقابر صامتة. مسؤوليتنا الجماعية كأمم هي الحفاظ على هذا التاريخ والعمل دون كلل لمنع تكرار مثل هذه الفظائع.
 
عندما وقفت على تلك الأرض المقدسة في صحراء تل الشيخة، شعرت بمعاناة الضحايا وإلحاح مسؤوليتنا. عائلاتهم تستحق أكثر من تعاطفنا، إنهم يستحقون العمل. هذا العمل لا يتعلق بالماضي فحسب، بل يتعلق بمستقبلنا. كل حياة فُقدت في تلك المقابر هي شهادة على تكلفة الصمت والتقاعس. يجب أن تُروى قصصهم، وأن تُحفر تضحياتهم في ضمير الإنسانية إلى الأبد. معاً يجب علينا الحفاظ على ذكراهم، وتحقيق العدالة، وبناء مستقبل لا يتشبث فيه أي طفل بأمه خوفاً.
 
*نُشر المقال في مجلة "نيوزويك" وتمت ترجمته إلى العربية
وكالات تنوع نيوز
25-01-2025, 18:21
العودة للخلف