سيدة من أقصى المدينة تسعى قبل زرقة الفجر الى رزق الله بكدح يومي ..ليس لها عطلة ..تحمل على رأسها (صينية كبيرة وصغيرة ) وقناني حليب …تفرش سفرتها باطمئنان واثق لهطول الخير..مشرقة الوجه …بثيابٍ سوداء (زي موحد) لكل بائعات هذا (المخلوق الساحر) واللذيذ …
من ثلاثين عاماً ..لم تشكو ..ولم تتبرم ..ولم تتقاعد..
في رحلتها الطويلة..سجلت مجموعة من (الاكتشافات )باسمها المهني (أم القيمر)..لان اسمها الشخصي (غاب) عن الجميع وهم مشغوفون بما تهديه كل صباح…
١-اكتشاف المناطق وتقاطع الشوارع التي تتحرك باكرا..ويستيقظ سكانها مهرولين الى أعمالهم و(مساطرهم) في طلباً لرزق الله الذي لاينتهي..
٢-اكتشاف ما ستره الليل من بقايا قناني وأعقاب سكائر وآثار خطى لسكارى وعابثين على أرصفة الحياة..وربما بعض الاوراق النقدية المتساقطة او المتطايرة ليلاً..وتضعها أمام صينية القيمر ربما (يأتي صاحبها)..
٣-اكتشاف الدرابين والازقة الامنة والصالحة للسير..وسكانها الذين يناموا بعد العشاء على السطوح صيفاً ..ويزدحمون في غرفهم شتاءً..
٤-إكتشاف محلات وشوارع (النايمين والنايمات للظهر)…وهنا تخفض صوتها كي لايزعج (العرسان) الذين تأخروا في نومهم ..ولهذا تتأخر في بقائها الى أذان الظهر..
٥-إكتشاف مرضى الدهون والكوليسترول بعد ان غابوا من طابورها الصباحي ..وراحوا يباكرون (سوق الخضرة) بحثاً عن ( الفجل والبربين والبصل الاخضر والنعناع)..وحين يمرون من أمامها تبتسم لهم بحياء (ربما لان القيمر صار دهناً ينام في شرايينهم)…
٦-إكتشاف عرسان المحلة الذين حجزوا من قبل يومين(صينية القيمر) ليتناول منها العرسان قبل توزيعها على بيوت المحلة..ويكون هذا الصباح مختلفاً لها ولهم ولاقرباء العروسين ..
٧-إكتشاف مواليد الجنود الذين يباشرون عملهم ولم يراهم احد..ومتى سيسرحون من الخدمة..وفي زمان الحروب (كان الجندي جواد يقترض منها قبل الالتحاق) فتزيد له في سلامة العودة بدعاء صادق..
٨-اكتشاف المواليد الجديدة التي وصلت الى محطة الدنيا ليلاً..ومايترتب لصباح النفساء من اهتمام ورعاية من الاقرباء ويبالغوا في الهدايا و(القيمر) والصمون الحار لكي (تسند قلبها)..خصوصاً اذا كان المولود (ذكرا)..
٩-إكتشاف الانواء الجوية من رؤية (غطاء بلاستيكي) أو(المشمع )فوق صواني القيمر ..وكذلك تروي حالة الجو في الريف ..ولاتنسى فرح الجاموس بالمطر حيث يفيض النهر الذي يرتاده الجاموس للتبريد واستراحة (التوربينات)
١٠-اكتشاف المواهب ..والشعراء والمجانين ..الذين يمرون من أمام (شاشتها) وهم بتسريحات غريبة وهمهمات..وترديدات..وأصوات..في شارع فارغ ..وكانت احياناً تعطي رأيها بصوت فلان او ملابسه ..وكنا نضحك من (شهادة الاعتراف) التي تصدرها..
١١-اكتشاف اماكن وزمان السيطرات العسكرية والامنية والحزبية ..وكانت تنقل لبعض (الثقاة) أماكن السيطرات ليتجنبوها …
١٢-سألتني أول أمس هل يشملني ممنوع التجوال؟
فقلت لها (صينية القيمر حالها حال المخبز والفرن .. الناس ينتظرونك ..عطلة ه نجوم )..فضحكت وقالت (وماكو سيطرات)…
عباس الجبوري
عضو مجلس النواب العراقي