يفتك مرض الزهايمر -أحد أكثر أنواع الخرف شيوعاً- بأدمغة الملايين حول العالم. وهو مرض غير قابل للعلاج حتى الآن؛ ولا يعرف العلماء حتى الآن السبب الدقيق وراء الإصابة به.
ا
ويتسبب ذلك المرض في تدهور القدرة على التفكير؛ والتقلبات المزاجية؛ والعدوانية في بعض الأحيان. كما يتسبب في خسائر اقتصادية بمليارات الدولارات سنوياً؛ كمصاريف لرعاية هؤلاء المرضى صحياً.
ولأول مرة في التاريخ، استخدم الباحثون البيانات البشرية لتحديد سرعة العمليات المختلفة التي تؤدي إلى مرض الزهايمر ووجدوا أنه يتطور بطريقة مختلفة تماماً عما كان يُعتقد سابقاً. وهو اكتشاف كبير نُشر في دورية «ساينس أدفانسس» ويمكن أن يكون له آثار مهمة على تطوير العلاجات المحتملة.
وجد الفريق الدولي، بقيادة جامعة كامبريدج، أن الزهايمر لا يبدأ من نقطة واحدة في الدماغ. بل يصل -في نفس الوقت- إلى مناطق مختلفة من الدماغ مبكراً ثم يبدأ بعمل تفاعل في كل تلك المناطق في الوقت نفسه وهو أمر يؤدي إلى موت خلايا الدماغ.
استخدم الباحثون عينات دماغية بعد الوفاة من مرضى الزهايمر، بالإضافة إلى فحوصات التصوير المقطعي الذري للعديد من المرضى على قيد الحياة، راوحت بين أولئك الذين يعانون من ضعف إدراكي خفيف إلى أولئك المصابين بمرض الزهايمر الكامل، لتتبع تراكم بروتين يسمى بـ«تاو السام» وهو أحد البروتينين الرئيسيين يعتقد العلماء أنهما متورطان في الإصابة بالمرض.
ففي مرض الزهايمر، تتراكم مادة «تاو» وبروتين آخر يسمى «بيتا أميلويد» في تشابكات وصفائح - تُعرف مجتمعة باسم التكتلات - ما يتسبب في موت خلايا الدماغ وتقلص الدماغ. ينتج عن هذا فقدان الذاكرة وتغيرات في الشخصية وصعوبة في أداء الوظائف اليومية.
من خلال الجمع بين 5 مجموعات بيانات مختلفة وتطبيقها على نفس النموذج الرياضي، لاحظ الباحثون أن الآلية التي تتحكم في معدل التقدم في مرض الزهايمر هي تكرار المجاميع في مناطق فردية من الدماغ، وليس انتشار المجاميع من منطقة واحدة إلى أخرى.
هذا يعني أن تلك التكتلات تبدأ في الظهور في أماكن عدة في الدماغ؛ قبل أن تنتشر بشكل مميت في كامل الدماغ مُسببه الإصابة بذلك المرض المميت.
وتفتح النتائج طرقاً جديدة لفهم تقدم مرض الزهايمر وأمراض التنكس العصبي الأخرى، وطرقاً جديدة يمكن من خلالها تطوير العلاجات المستقبلية.
لسنوات عديدة، تم وصف العمليات داخل الدماغ والتي تؤدي إلى الإصابة بمرض الزهايمر باستخدام مصطلحات مثل «التعاقب» و«التفاعل المتسلسل».
ولأن المرض يصعب دراسته، كونه يتطور على مدى عقود، كما لا يمكن أيضاً أن يشخصه الأطباء بشكل نهائي إلا بعد فحص عينات من أنسجة المخ بعد الموت. ولسنوات، اعتمد الباحثون إلى حد كبير على نماذج حيوانية لدراسة المرض. أشارت نتائج التجارب التي أجريت على الفئران إلى أن مرض الزهايمر ينتشر بسرعة، حيث تستعمر مجموعات البروتين السامة أجزاء مختلفة من الدماغ.
ويقول المؤلف الرئيسي للورقة البحثية وأستاذ الكيمياء في جامعة كامبريدج «جورج ميسل» إن العلماء كانوا يعتقدون أن مرض الزهايمر يتطور بطريقة مشابهة للعديد من السرطانات؛ إذ تتشكل الكتل في منطقة واحدة ثم تنتشر عبر الدماغ "ولكن بدلاً من ذلك، وجدنا أنه عندما يبدأ داء الزهايمر تتكون تجمعات في مناطق متعددة من الدماغ في وقت مبكر للغاية، وبالتالي فإن محاولة وقف الانتشار بين المناطق لن تفعل الكثير لإبطاء المرض".
هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها استخدام البيانات البشرية لتتبع العمليات التي تتحكم في تطور مرض الزهايمر بمرور الوقت. وقد أصبح ذلك ممكناً جزئياً من خلال نهج الحركية الكيميائية الذي تم تطويره في كامبريدج على مدى العقد الماضي والذي يسمح بنمذجة عمليات التجميع والانتشار في الدماغ، بالإضافة إلى التقدم في تقنيات المسح الذري والتحسينات في حساسية قياسات الدماغ الأخرى.
وقال المؤلف المشارك وأستاذ الكيمياء الطبية في جامعة كامبريدج البروفيسور «توماس نولز» إن هذا البحث يظهر قيمة العمل مع البيانات البشرية بدلاً من النماذج الحيوانية غير الكاملة. فمن الصعب أن نرى تقدم في هذا البحث عن أسباب الزهايمر عن طريق تحديد الآليات الجزيئية الأساسية للأنظمة البسيطة في أنبوب اختبار أو عبر فحص أدمغة الحيوانات «لكننا الآن قادرون على دراسة هذه العملية على المستوى الجزيئي في مرضى حقيقيين، وهي خطوة مهمة لتطوير العلاجات يوماً ما».
وجد الباحثون أن عملية انتقال تكتلات بروتين تاو السام بطيئة بشكل مدهش إذ تستغرق ما يصل إلى 5 سنوات. ويقول كبير الباحثين البروفيسور السير «ديفيد كلينرمان» من معهد أبحاث الخرف في المملكة المتحدة إن «الخلايا العصبية جيدة بشكل مدهش في منع تكون المجاميع، لكننا بحاجة إلى إيجاد طرق لجعلها أفضل إذا أردنا تطوير علاج فعال».
ووجدت الدراسة أمراً مدهشاً آخر؛ إذ تقاوم الخلايا العصبية في الدماغ بروتينات تاو السامة؛ وهو أمر يُمكن استخدامه كهدف دوائي في المرحلة القادمة «فتنشيط تلك الخلايا ربما يمنع تراكم البروتينات أو حتى يبطئ من تقدم المرض» على حد ما يقول «كلينرمان».
ويقول الباحثون إن منهجهم يمكن استخدامه للمساعدة في تطوير علاجات لمرض الزهايمر، الذي يصيب ما يقدر بنحو 44 مليون شخص في جميع أنحاء العالم، من خلال استهداف أهم العمليات التي تحدث عندما يصاب البشر بالمرض. بالإضافة إلى ذلك، يمكن تطبيق المنهجية على الأمراض العصبية التنكسية الأخرى، مثل مرض باركنسون.
وعلى الرغم من أن الاكتشاف الرئيسي للدراسة هو أن إيقاف تكرار الكتل بدلاً من انتشارها سيكون أكثر فاعلية في مراحل المرض؛ إلا أن اكتشاف مقاومة الخلايا العصبية للمرض أمرًا قد يكون له صدى عند العلماء الذين يُصممون أدوية لمواجهة المرض.
يخطط الباحثون الآن للنظر في العمليات السابقة في تطور المرض، وتوسيع نطاق الدراسات لتشمل أمراضاً أخرى مثل الخرف الصدغي الجبهي، وإصابات الدماغ الرضحية، والشلل فوق النووي التقدمي حيث تتشكل مجاميع تاو أيضًا أثناء المرض.