السلام عليكم
هذا جزء من قصة اكتبها عن ذكرياتي وليست مذكراتي وانا مطارد ومختفي في نهاية عام ١٩٨٠ في شارع الكفاح، اتحدث فيه عن الكرد الفيلية ومعاناتهم ..
-----
مع التقدير
في شارع الكفاح لا تشعر كثيرا إنك في بغداد أو غريب عنها وذلك لطابعه الشعبي، والاختلاط السكاني، وان
كانت اغلبية قاطنيه من الكرد الفيلية تلك الشريحة العراقية الأكثر معاناة ومظلومية في عهد النظام البائد، إذ
تم تجريدهم من هويتهم وجنسيتهم وهم من خدمو ا العراق بإخلا ص وتفان نادر وبنوه بعرقهم الغزير، ودافعوا
عنه بدمائهم الزاكية، كما وجرى مصادرة أموالهم المنقولة وغير المنقولة، وحجز شبابهم واجراء التجارب
الكيمياوية عليهم، واستشهد من جراء ذلك الآلاف من اولئك المحتجزين الأبرياء وهم في نظارة الشباب ومقتبل
العمر ، وتسفير كبار السن والأطفال والنساء والقائهم على الحدود بين العراق وايران في مناطق وعرة
وجبلية، وكان عليهم المشي مسافات طويلة حتى يصلوا الأراضي الإيرانية، ثم قضاء مدة طويلة تحت الخيام
في ايران بين جبال خرم اباد الباردة او صحراء جهرم الحارة، الى ان يكفلهم ايراني للخروج الى مدينة ،
والبدء بحياة جديدة من الصفر بالاعتماد على انفسهم وبلا اي دعم او اعانة .لا لشيء سوى ان اجدادهم جاؤا
من المناطق الحدودية الإيرانية المحاذية والتي تختلط عبر الحدود الانساب والعشائر والعوائل، وعلى فرض
ان اجدادهم او أباءه م إيرانيين، إذن لماذا كان يتم تجنيدهم وتوظيفهم وتشغيلهم، لماذا في العطاء والتضحية
والبناء هم عراقيون!!؟؟ ، وعند الحاجة الى ورقة وشهادة بعراقيتهم يعدون ايرانيون ، مالكم كيف تحكمون
!؟، والى اي قانون او شرع تستندون، !؟ وباي دين تدينون!! ؟
وباتوا ف ي إيرا ن عراقيون ،وفي العراق إيرانيون، واصبحوا معلقين بين هؤلاء وأولئك .
ولا يوجد اقسى من تجريد الانسان من جنسيته، وهو افضع من القتل، ويعني ببساطة ان تقول لشخص إنك
بلا انتماء، لا تنتمي لهذه الأرض ، ولا مكان لك في هذا العالم، ولست جزءاً من المجتمعات البشرية، انت بلا
أسم ولا مجتمع ، انت بلا ذاتك ولا شخصك، انت بلا انت، وانت بلا نحن، ونحن لسنا انت ، انت لا تشبهننا،
اذن لا نعطيك شهادة الجنسية من ورقة صفراء نكتب بها لون شعرك اسود ولون بشرتك بني والعيون عسلي،
انت مخلوق على صورة انسان، والصورة مجاز والانسان حقيقة، والصورة وهم والانسان ،A+ وصنف دمك
اقع، والصورة ظل والانسان الشاخص، وعليه مباح في شارع الكفاح بحسب شرعهم وقانونهم وجاهليتهم
وايدلوجية حزبهم التعامل معك بالتاءات الخم س )تجريد وتسفي ر وتشريد وتعذيب وتسلط( لمحوك من الوجود
والذاكرة والتاريخ ، ولا نعطيك رقم لتضاف الى تعداد نفوسنا، لأنك رقم مهمل ، وتعد مع الأشياء، إذن انت
لست كائنا حيا، انت من صنف الجمادات التي لا تحتاج الى تعريف او هوية، ، او فرد من دون مشخصات
معترف بها، أي انت لست انسانا!ً!؟؟ ولا يوجد ما يثبت ذلك، انت غير موجود أصلا، في واقعنا وفي سجلاتنا
وفي حياتنا، وهذه بعض الدلالات القاسية لتهجير عوائل الكرد الفيلة بعد تجريدهم من وثائقهم العراقية،
ومحاولة قلع جذورهم من وطن شيدت على وجماجمهم وقامت مؤسساتها على أكتافهم. وبذلوا أغلي ما يملكون
في سبيل عزة وكرامة وسيادة هذا البل د.
وسمي شارك الكفاح بهذا الاسم لكفاحهم وبطولاتهم وانتفاضاتهم وثوراتهم في التصدي للاحتلالا ت الأجنبية
ونفوذها واذنابها والحكوما ت الطغياني ة.
صحيح إن الجنسية وضعية اعتبارية، ولكنها أصبحت مثل القومية والعرق واللون والقبيلة أمراً يلتصق
بالإنسان فور قطع الحبل السري من بطنه وعقد صرته عند نزوله الى هذا العالم، ويكتسب جنسيته من حين
ولادته في أي مكان كان، والأرض التي يسقط فيها رأسه على تربتها، تستحق جنسيتها ولك العيش عليها
والتمتع بخيراتها، ولهذا كل دول العالم الحر التي تحترم الانسان وحقوقه تمنح جنسيتها لمن يولد على اراضيها
وفي وأجواءها بالطائرات التي تعبرها، مهما كانت جنسيات الإباء والامهات، بل غالبية دول العالم أصبحت
تقر بالجنسية المزدوجة، ومن حق الانسان ان يحمل عدة جنسيات في آن معا،ً واصبحت الكلاب والقطط
تسافر عبر المطارات الدولية مع مالكيها بجوازات سفر خاصة بها.
ويأتي نظام باغ وفي القرن الواحد والعشرين ويشطب على شريحة واسعة، ويحرمها من حق الوجود، اي من
حق الحياة، ولأسباب طائفية مقيتة،
ولكن رحلو ا الى مزبلة التاري خ بالعار الشنار، اولئك الظلمة والبغاة م ن حزب البعث الجاهلي والأموي .
وبقي ت الشريحة الفيلية لتؤك د للظالمين نحن الباقون وأنتم الماضون، ونحن عدنا الى ديارنا وموطن اجدادنا
وأنتم رحلتم الى حيث أجدادكم ابو لهب وابو جهل ومعاوية ويزيد الى وادي سقر.
وغدت شجرة الكرد الفيلية باسقة ونظرة ومخضرة ومؤرقة، راسخة الجذور ويانعة الثمر .
ويعج اليوم شارع الكفاح بأصواتهم ، وتتعالى نغمات لغتهم الجملية التي تطرب السمع خفتها وموسيقاه ا.
)وجون ي دالكم وبراي شهيدم قبول ناكيم زلت ( )وعل ي تو براي مني( .
