×

أخر الأخبار

أمّ البنين… امرأةٌ تجاوزت حدود الأمومة لترتقي إلى سماء الولاء

  • أمس, 16:19
  • 43 مشاهدة
  • وليد الحلي

بسم الله الرحمن الرحيم

أمّ البنين… امرأةٌ تجاوزت حدود الأمومة لترتقي إلى سماء الولاء

يحتلّ التاريخ الإسلامي صفحات مشرقة لنساء كان لهنّ تأثير بالغ في صياغة الوعي الإنساني والرسالي. ومن بين هذه الشخصيات تبرز السيدة فاطمة بنت حزام الكلابية، المعروفة بـ أمّ البنين (عليها السلام)، بوصفها نموذجاً فريداً يجمع بين الوعي، الولاء، الصبر، الإيثار، والتضحية. لم تكن شخصية هامشية، بل فاعل تاريخي بعد استشهاد السيدة الزهراء (ع)، وأسهمت في صناعة جيل ربّاني تمثّل في أبنائها الأربعة، وعلى رأسهم العباس بن علي (ع)، بطل الطفّ وحامل لواء الحسين (ع).

1- نسبها ومكانتها الاجتماعية
وُلدت أمّ البنين في السنة 5 هـ، وتنتمي إلى قبيلة بني كلاب، المعروفة بالشجاعة والفروسية والفصاحة. تميزت منذ صغرها ب:
• صفاء الروح
• نقاء السيرة
• عمق الإيمان
• حضور أخلاقي واجتماعي رفيع
• بلاغة وفصاحة تجعلها من ذوات البيان الحكيم
هذه الصفات أهلتها لتحمل دورا رساليا بعد دخولها بيت أمير المؤمنين علي (ع).

2- زواجها من الإمام علي (عليه السلام) 
بعد رحيل السيدة فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين (سلام الله عليها)، أراد الإمام علي (عليه السلام ) الزواج بامرأة ذات حسب ونسب وشجاعة وخلق، فكلف أخاه عقيل بن أبي طالب، العالم بأنساب العرب، لاختيار امرأة "تلد له الفحول". اختار عقيل فاطمة بنت حزام الكلابية قائلاً: "ليس في العرب أشجع من آبائها ولا أفرس."
هذا الزواج لم يكن قائمًا على الشكل، بل على الوعي والتاريخ والسلوك، مما يعكس الإطار الرسالي لهذا الارتباط.

3- دلالة اسم "أمّ البنين" والوعي العاطفي
طلبت السيدة فاطمة الكلابية من الإمام علي (ع) أن يُكنّيها بـ "أمّ البنين" كي لا يتأذّى أبناء الزهراء (ع) بسماع اسم "فاطمة". هذا الموقف يعكس:
• حساً تربوياً عميقاً
• وعياً نفسياً نادراً
• رقيّاً عاطفياً وإنسانياً
• قدرة على احتواء أبناء الزهراء بما يفوق حدود الأمومة التقليدية.

4- أبناؤها الأربعة ودورهم الرسالي
رزقت أمّ البنين بأربعة أبناء من الإمام علي (ع):
• أبو الفضل العباس (ع)
• عبد الله (ع)
• جعفر (ع)
• عثمان (ع)
وقد كرّست حياتها لتربيتهم على قيم الإيمان والشجاعة والولاء لأهل البيت (ع). وكانت النتيجة أن أصبحوا من خيرة أنصار الإمام الحسين (ع)، وشاركوا جميعاً في واقعة كربلاء ليُسجّلوا صفحة مضيئة في تاريخ التضحية.

5- البعد الأدبي في شخصيتها
كانت أمّ البنين أديبة وشاعرة، ونظمت المراثي التي تُتلى في المدينة بعد واقعة الطف، مما أظهر:
• عمق ولائها لأهل البيت (ع).
• قوة تعبيرها عن الألم الإيماني.
• تصويرها البلاغي والرمزي للوفاء والتضحية.

6- موقفها عند سماع مصائب واقعة الطف في كربلاء
عندما وصل خبر استشهاد أبنائها الأربعة إلى المدينة، كان سؤالها الأول: ماذا عن الامام أبي عبد الله الحسين (ع) ؟؟"
• حين قالوا لها: "عظّم الله لك الأجر باستشهاد ولدك العباس"، أجابت: ما سألتكم عن ولدي… إنما سألت عن الامام الحسين."
• ومع استشهاد جعفر، عثمان، وعبد الله، ظل سؤالها واحدًا عن الامام الحسين، حتى إذا أخبروها باستشهاده، انهارت باكية.
هذا الموقف يعكس أن ولاءها للإمام الحسين (ع) فاق تعلقها بأبنائها، وأن علاقتها بأهل البيت (ع) كانت علاقة إيمانية راسخة.

7- البعد الإيماني للسؤال: تقديم الحسين (ع) على الأبناء
كان اهتمام أمّ البنين بالحسين (ع) قبل أبنائها الأربعة نابعًا من:
• إدراكها أن الحسين امتداد النبوة
• أنه رمز العدالة الإلهية
• قلب الرسالة المحمدية
• محور نجاة الأمة أو ضلالها
لذلك كان استشهاد أبنائها جزءاً من الولاء للحق، بينما كان فقد الحسين كارثة عظيمة.

8- أمّ البنين مدرسة في الصبر والوعي الرسالي
جسّدت أمّ البنين (عليها السلام) أسمى معاني:
• الصبر الواعي
• الولاء العقائدي
• التضحية من أجل المبدأ
• الثبات أمام الفاجعة
• الإيمان بقدسية الإمامة
تقديمها أبناءها الأربعة في سبيل نصرة الحق، ثم سؤالها عن الحسين قبلهم، هو موقف خالد يجعل منها نموذجاً رساليا للمرأة الواعية والمؤمنة بالدور الذي ضحى من أجله الامام الحسين (ع) وعلى اتلاكها الوعي المبدأي فوق عاطفة الأمومة.

9- وفاتها وإرثها الخالد
توفيت السيدة المؤمنة المضحية فاطمة بنت حزام الكلابية أمّ البنين ( رحمها الله برحمته الواسعة واسكنها في جنان الخلد مع الامام علي (ع) وأهل بيتها الكرام) في 13 جمادى الآخرة سنة 64 هـ، في المدينة المنورة. خلّفت إرثاً من الوفاء والإيمان:
• نموذج للمرأة الرسالية الواعية
• مدرسة في التربية الإيمانية
• ميلاد جيل من الأبطال
• موقف إنساني خالد في مواجهة المصاب.

10- فاطمة بنت حزام الكلابية (أم البنين ع): مدرسة للتضحية والصبر
تُظهر دراسة شخصية أمّ البنين (عليها السلام) أنها لم تكن امرأة عادية، بل نموذجاً فريداً للمرأة المؤمنة الرسالية التي جمعت بين العقل، والروح الطاهرة، والبلاغة، والولاء، والتضحية. حضورها في ملحمة الطف، رغم عدم وجودها الجسدي في كربلاء، كان حضوراً عقدياً وروحياً جعلها من أعظم رموز الإيمان. لقد استحقت بجدارة لقب "أمّ البنين"؛ أمّ الأبطال، وأمّ المدرسة الخالدة في الوفاء لأهل البيت (عليهم السلام).

وليد الحلي
12 جمادى الاخرة 1447 هجري
4-12-2025